شهدت مسابقة مهرجان فينسيا هذا العام فيلمين من الشعر السينمائى الخالص، ومن روائع فن السينما فى كل العصور: الفيلم الروسى «أرواح صامتة» إخراج أليكسى فيدور شنيكو (انظر «صوت وصورة» يوم 6 سبتمبر)، والفيلم البولندى «قتل ضرورى» إخراج ييرجى سكوليمو فسكى. كان فوز أى منهما بالأسد الذهبى مستحقاً، وكذلك الفيلم الفرنسى، «فينوس السوداء» إخراج عبداللطيف قشيش، ولم يكن باستطاعة لجنة التحكيم تجاهل أى من الفيلمين القصيدتين وإلا أطاحت بسمعة المهرجان الكبير، وقد فاز الفيلم الروسى بجائزة أحسن إسهام فنى لمدير التصوير ميخائيل كريشمان، وفاز الفيلم البولندى بجائزة لجنة التحكيم الخاصة، وجائزة أحسن ممثل (فينسنت جالو). ييرجى سكوليموفسكى فنان عالمى كبير من متمردى الستينيات، وهو ممثل ومخرج وكاتب سيناريو ورسام كان الوحيد من المتسابقين فى بينالى السينما هذا العام الذى سبق واشترك فى بينالى الفنون التشكيلية، فى فينسيا ومثل مجايله بولانسكى، كلاهما عمل فى أوروبا وأمريكا واعتبرا كل العالم مسرحاً لهما، كما وصل بولانسكى إلى ذروة النضج فى فيلمه الجديد «الكاتب الشبح»، الذى عرض فى مهرجان برلين، وفاز الأسبوع الماضى بجائزة «فيبريسى» (الاتحاد الدولى للنقاد) كأحسن أفلام 2010، يصل سكوليمو فسكى فى فيلمه الجديد إلى ذروة النضج أيضاً، وقد سبق أن فاز فى كان وفينسيا بأكثر من جائزة، ولكن ليس من بينها الجائزة الكبرى. «أرواح صامتة» قصيدة كلاسيكية عن الحياة والحب والموت، أما «قتل ضرورى» فقصيدة حديثة عن الوجود واضطرار الإنسان منذ البدء إلى القتل حتى يبقى على قيد الحياة، ولكنه مع ذلك ليس فيلماً ضد الإنسان، وإنما فى تمجيده، والإعلاء من شأن الحياة كقيمة فى ذاتها، ويعبر الفنان عن رؤيته من خلال مقاتل أفغانى تعتقله القوات الأمريكية وأثناء ترحيله عبر معسكر سرى فى وسط أوروبا يتمكن من الفرار فى إحدى الغابات أثناء سقوط الجليد وتدور كل أحداث الفيلم بعد ذلك وحتى النهاية فى تلك الغابة. إنه ليس فيلماً سياسياً يناقش الحرب فى أفغانستان، وإنما يستخدم هذه الحرب والبعد العبثى فيها، حيث يحارب أقوى جيش فى العالم وفى التاريخ، أفراداً لا يمثلون دولة ولا جيشاً، كما فى الحروب السابقة بين الدول والجيوش. بداية الفيلم افتتاحية إلى الغابة، وفيما يكافح البطل/ اللابطل من أجل البقاء مثل الإنسان الأول، ضد من يطاردونه جواً وبراً بلا هوادة، وباستخدام أحدث ما وصل إليه العلم. إنه يتحول إلى وحش، ولكنهم أيضاً وحوش ولا حوار بينه وبينهم، ولا يزيد عدد كلمات الحوار فى الفيلم بأكمله على ألف كلمة، وكما أن هناك افتتاحية هناك خاتمة يرى فيها لأول مرة كوخاً وبداخله امرأة، ومن دون ولا كلمة واحدة ترعاه، وتحميه من مطارديه، وتقدم له حصاناً أبيض ليواصل رحلته الشاقة. [email protected]