شاء حظى أن أشهد مسخرة غياب الحكومة والاعتداء على المشجعين المصريين مع توارد أولى الصرخات للفنان محمد فؤاد بصوت مبحوح من مخبئه مع 130 مصريًا على شاشة قناة أوربت فى برنامج «القاهرة اليوم»، بينما قنوات التليفزيون المصرى الرسمى جميعًا مشغولة فى إرسال عادى كأن كل شىء تمام، مضت أكثر من ساعة من تلقى الصرخات والاستغاثات من سمير زاهر، الذى وصف جراح اثنين من المشجعين دخلا عليه فى الفندق مع أحد قياديى الحزب الوطنى ماجد الشربينى، ومن الصحفى الشاب خالد صلاح، الذى وصف مطاردات البلطجة الجزائرية لسيارته وسيارات المصريين والاعتداء عليها واضطراره للجوء مع مجموعة إعلاميين إلى بيت الوزير المفوض المصرى بدلاً من التوجه إلى المطار، ومن الإعلامية سلمى الشماع التى أجابت عن سؤال عمرو أديب عما حدث لها.. فأجابت بأنها لا تفهم لماذا يعتدى عليها وعلى زملائها المشجعون الجزائريون، خاصة أنها صفقت للفريق العربى الجزائرى فى نهاية المباراة بعد أن حقق الانتصار، تعبيرًا عن الروح الرياضية المصرية، مضت الدقائق ثقيلة والمكالمات تتوالى على أحمد موسى وعمرو أديب بأصوات تعرض أصحابها للإرهاب والعدوان والترويع وقُطِع عليهم الوصول إلى المطار، وأخرى نجحت فى الوصول إلى مطار الخرطوم فوجدت الأبواب مغلقة وأنا أقلب القنوات الرسمية والخاصة فلا أجد إلا أفلامًا وتمثيليات كأن الدولة قد نامت وراحت فى سبات عميق. فقط وبعد أن استبد الغضب بأحمد موسى، مدير تحرير الأهرام، راح يصرخ على المسؤولين بالتحرك لإنقاذ المصريين، وإلا فإن من حق المصريين أن يفعلوا مثلما يفعله البلطجية الجزائريون، ظهر صوت أول وزير مصرى وهو حاتم الجبلى، وزير الصحة، الذى طالب عمرو أديب وأحمد موسى بأن يعلنا للمتفرجين المستغيثين والجرحى من الخرطوم أن هناك مركزًا طبيًا مصريًا فى مطار الخرطوم تم إعداده للطوارئ. كان مشهدًا يدعو للتساؤل، لماذا لم يخطر المتفرجون والمشجعون مسبقًا بأن هناك توقعات بالاعتداء عليهم، وأن وزارة الصحة مشكورة قد أعدت لهم العلاج الواجب بعد تلقى الطعنات الجزائرية، وربما أيضًا الأكفان اللازمة ولكنها نسيت أن تخطرهم بمكان وجود المركز الطبى، كنت أسمع صرير أسنانى من الغضب وأنا ألاحظ المعنى لاعتماد وزير الصحة على برنامج تليفزيونى لتوجيه المستغيثين الجرحى، كان المعنى أن الحكومة غائبة فى الخرطوم، وأنها اكتفت بإلقاء المشجعين فى أتون معركة متوقعة مسبقًا ثم تركتهم ونامت بعد أن أصابها الاكتئاب من نتيجة المباراة. شكر وتحية لعمرو أديب وأحمد موسى الرجلين اللذين قاما بمهمة إيقاظ حكومة مصر من سباتها وكذلك إيقاظ مندوب الشرطة السودانية والمتحدث باسمها، الذى ظل يتصل بالرجلين ليعرف أين يوجد المصريون المحاصرون أو الجرحى أو غير القادرين على دخول المطار، وكذلك إيقاظ التليفزيون الرسمى المصرى من سباته وغفلته عن رعاية شعب مصر فى الأوقات الصعبة، بعد مرور أكثر من ساعة ظهر صوت وزير الإعلام المصرى المتحدث باسم الحكومة لأول مرة فى برنامج «القاهرة والناس» ليطمئن المستمعين أن هناك اتصالات تجرى على أعلى مستوى لضمان أمن المصريين فى الخرطوم وإلا فإننا سنتدخل بأنفسنا لضمان أمنهم، تنفست الصعداء فقد نجح الرجلان فى إيقاظ الحكومة ووزير إعلامها وتليفزيونها، بعدها ظهر صوت وزير الإعلام فى نشرة الأخبار على التليفزيون الرسمى ليبدأ حضور الحكومة فى إدارة الأزمة. إن الأعصاب التى أنهكت والسيدات والأطفال الذين تعرضوا للصدمات النفسية، نتيجة للعدوان وأعمال البلطجة والدموع التى سالت من ملايين المصريين نتيجة لإحساس المهانة والعجز عن نجدة أشقائهم الذين يعانون المحنة فى الخرطوم هى أمور يتحملها مجلس وزراء مصر الذى أثبت أنه لم يتخذ الإجراءات اللازمة والمبكرة لحماية المشجعين المصريين بدءًا من ابنى رئيس الجمهورية علاء وجمال وكبار المسؤولين الذين صاحبوهما وانتهاء بأصغر طفل اصطحبه أبوه ليشجع الفريق المصرى فى الخرطوم. قبل المباراة بيومين جاءنى شاب من عائلتى يطلب منى التوسط له فى الحزب الوطنى ليسافر مع المشجعين الذين نظمهم الحزب فنصحت الشاب بعدم السفر لظروفه الصحية، فسألنى لماذا؟ فقلت لأننى أتوقع فى حالة فوزنا أن يقوم الجمور الجزائرى بالعدوان على المشجعين المصريين، فسألنى الشاب، وهل أعددنا العدة لهذا الاحتمال؟ فأكدت له أننى أثق فى أن حكومتنا لابد أن تكون قد استعدت لهذا الاحتمال، فالشواهد واضحة بعد العدوان على المواطنين المصريين فى الجزائر فى أعقاب مباراة القاهرة، الغريب أن الشاب قد لجأ إلى أصدقاء له من عائلة الفريق أبوغزالة بعد أن خذلته، وسافر معهم على طائرة خاصة كانت تقل مجموعة من الأصدقاء. لقد وضعنى الشاب قريبى فى حالة حرج قاسية عندما سألنى أين خطة الحكومة لحمايتنا بعد رحلة شهد فيها العذاب هو ومن معه فقد حرموا من الدخول إلى الاستاد، واضطروا لمشاهدة المباراة فى أحد الفنادق، فشعروا بالألم لعدم تشجيع الفريق وبعد ذلك ظلوا قابعين فى الفندق خوفًا من هجمات البلطجية الجزائريين حتى الرابعة صباحًا حتى جاء إليهم فريق من الشرطة السودانية ليصحبهم إلى المطار، ثم بقوا محبوسين داخل الطائرة لساعات إلى أن أقلعت بهم إلى القاهرة. إن السؤال الذى وجهه إلىّ الشاب حول خطة الحكومة التى حدثته عن ضرورة وجودها لحماية مواطنينا يدفعنى إلى سؤال رئيس الحكومة هادئ الأعصاب دائمًا فى كل الكوارث.. أين مسؤوليتك يا دكتور نظيف؟ وأين أداء حكومتك فى حماية عشرة آلاف مصرى عبروا الحدود فى مهمة اعتبروها وطنية؟ وأين مسؤوليتك فى حماية المواطنين المصريين فى الجزائر وفى حماية الأموال المصرية المستثمرة هناك؟ هل تسمح لى د.نظيف بأن أكرر شكرى لعمرو أديب وأحمد موسى، وأن أقول إنهما أصحاب الفضل فى إنقاذ المصريين وكرامتهم وليس الحكومة المصرية.