الكاتب السورى زكريا تامر الذى فاز بجائزة ملتقى القاهرة للقصة القصيرة، ستخسر كثيراً إذا لم تتعرف على عالمه القصصى الرائع، إنه طفل عجوز ترك الدراسة فى سن الثالثة عشرة وعمل حداداً وجمع بين الكتابة للأطفال والكبار، إنه خيال جامح من لحم ودم، أستأذنكم فى إطلالة على إبداعه من نافذتى المتواضعة: سنضحك.. سنضحك كثيرًا فى يوم من الأيام، اقتحم رجال الشرطة بيتنا، وبحثوا عنّى وعن زوجتى، ولم يتمكنوا من العثور علينا لأنّى تحوّلت مشجبًا، وتحوّلت زوجتى أريكة يطيب الجلوس عليها. وضحكنا كثيرًا عندما خرجوا من البيت خائبين. وفى يوم من الأيام، كانت السماء زرقاء لا تعبرها أى غيمة، فقصدنا أحد البساتين، فإذا برجال الشرطة يدهمون البستان بعد دقائق طامحين إلى الإمساك بنا، ولكنهم لم يوفقوا لأنّى تحوّلت غرابًا أسود اللون، دائم النحيب، وتحوّلت زوجتى شجرة خضراء، غزيرة الأغصان. وضحكنا كثيرًا من إخفاقهم. وفى يوم من الأيام، تذمرت زوجتى من عملها فى المطبخ، فذهبنا إلى أحد المطاعم، وما إن بدأنا نأكل حتى طوّق رجال الشرطة المطعم، واقتحموه عابسى الوجوه، وفتشوا عنّا تفتيشًا دقيقًا، ولم يجدونا لأنّى تحوّلت سكينًا، وتحوّلت زوجتى كأسًا من زجاج ملأى بالماء. وضحكنا كثيرًا لحظة غادروا المطعم قانطين. وفى يوم من الأيام، كنّا نسير الهوينى فى شارع عريض مزدحم بالناس والسيارات، نتفرج على ما فى واجهات الدكاكين من سلع، فإذا برجال الشرطة يحتلّون الشارع، ويعتقلون المئات من الرجال والنساء، ولكنّهم لم يستطيعوا اعتقالنا لأنّى تحوّلت حائطًا، وتحوّلت زوجتى إعلانًا ملوّنًا ملصقًا بحائط. وضحكنا كثيرًا من غباوتهم. وفى يوم من الأيام، ذهبنا إلى المقبرة لزيارة أمّى، فهاجم رجال الشرطة المقبرة، وقبضوا على أمّى، ولم ينجحوا فى القبض علينا لأنّى تحوّلت كلمات رثاء مكتوبة بحبر أسود على شاهد قبر، وتحوّلت زوجتى باقة من الورد الذابل، وضحكنا كثيرًا من سذاجتهم. وفى يوم من الأيام، هرعنا إلى المستشفى متلهفين، فزوجتى حامل فى شهرها التاسع، وآن لها أن تلد. وما إن دنا فم طفلنا من ثدى أمه الطافح بالحليب حتى انقضّ رجال الشرطة على المستشفى، ولكنّهم عجزوا عن الاهتداء إلينا لأنى تحوّلت رداءً أبيض وسخًا، وتحوّلت زوجتى مرآة خزانة خشبية ملأى بالثياب، وتحوّل طفلنا بوقًا لسيارة إسعاف مسرعة. وضحكنا كثيرًا من بلاهتهم، وسنظلّ نضحك. الشهادة تباهت بهية أمام نساء حارتها بحفاظها على شرفها وشرف الحارة التى ولدت بها، وحكت ما جرى لها أمس عندما كانت تتنزه فى أحد البساتين القريبة، فالرجل المجهول الذى اغتصبها شَهَرَ سكينا تذبح جملاً، وأمرها أن تخلع كل ثيابها مهددا بقتلها إذا عصت أمره، فخلعت ثيابها ولكنها لم تخلع جواربها متحدية أمر الرجل وسكينه، فشهقت نساء الحارة معجباتٍ بها وبشجاعتها، وانتشرن فى البساتين عازمات النية على ألا يخلعن الجوارب أبدا. التصغير الأول كان عبدالله الصبان رجلاً ضخماً طويل القامة عريض المنكبين، أعٌتقل ليواجه اتهاما بأنه فى كل لحظة يستنشق من الهواء أكثر من حصته المقررة، فلم ينكر، وأقرّ بأن السبب يرجع إلى أنه يملك رئتين كبيرتين هما وحدهما المسؤولتان، فأحيل بالحال إلى المستشفى ليغادره بعد أسابيع رجلا جديدا ذا قامة قصيرة وصدر ضيق ورئتين صغيرتين، يستهلك يوميا هواء يقل عن الحصة المخصصة له رسمياً. انتظار امرأة ولد فارس المواز بغير رأس، فبكت أمّه، وشهق الطبيب مذعورًا، والتصق أبوه بالحائط خجلاً، وتشتَّت الممرضات فى أروقة المستشفى. ولم يمت فارس، كما توقع الأطباء، وعاش حياة طويلة، لا يرى ولا يسمع ولا يتكلم ولا يتذمر ولا يشتغل. فحسده كثيرون من الناس، وقالوا عليه إنّه ربح أكثر مما خسر. ولم يكفّ فارس عن انتظار امرأة تولد بغير رأس حتى يتلاقيا وينتجا نوعًا جديدًا من البشر آملاً ألاّ يطول انتظاره.