كانت فئة الكونستابلات فئة مستحدثة من رجال البوليس فى أوائل القرن العشرين، وهى فئة تقع بين الضباط والمجندين، وقد اشترط قانون البوليس لعام 1901 فى المنتسبين لهذه الفئة الدراية التامة بالقراءة والكتابة، وقامت وزارة الداخلية على إنشاء قسم بمدرسة البوليس لتخريج كونستابلات مصريين وجنود مثقفين تمشياً مع سير النهضة بشرط الحصول على شهادة إتمام الدراسة الابتدائية مع اجتياز امتحان فى المواد الدراسية المقررة بالسنتين الأولى والثانية من التعليم الثانوى غير أن هذه الفئة المستحدثة قفزت إلى دائرة الضوء خاصة بعد احتفاء الصحافة المصرية بواحد من رجالها وهو الكونستابل (الأمين عبدالله)، الذى وصفته الصحافة المصرية فى عام 1944 بأنه أنقذ سمعة مصر، أما السبب فنعرفه من هذه القصة، ففى مثل هذا اليوم (6 نوفمبر من عام 1944)، وفيما كان الأمين منتدبا فى نوبة أمنية فى الزمالك لمدة يوم واحد بدلاً من كونستابل آخر إذا به يسمع صوت طلقات رصاص، فاتجه الكونستابل إلى مصدر الطلقات، فوجد (اللورد موين) مضرجا فى دمائه كان وزير الدولة البريطانى فى مصر، وكان قد أطلق اثنين من عملاء منظمة شتيرن فى مصر الرصاص عليه، وظل الكونستابل (الأمين عبدالله) يطارد الجناة فور وقوع الحادث، وفى مطاردة ضارية شهدت تبادل إطلاق النار بين عبدالله ومرتكبى الحادث، أصاب أحدهما وتمكن من أن يلقى القبض عليهما مجنبا مصر موقفا حرجا بريطانيا، التى كانت تحرص على تصيد الأخطاء لمصر و سارعت مصر بتكريم الكونستابل عبدالله وترقيته لملازم ومنحه مكافأة مالية، وحضر الملك فاروق ملك مصر حفل تكريمه. غير أن هناك خلفية سياسية وتاريخية لهذا الحادث الشهير، فقد عرف تاريخ الدولة الإسرائيلية قبل عام 1948 نشوء العديد من المنظمات الصهيونية، غير أن منظمة «لحمى حيروت إسرائيل» أو (المحاربون من أجل حرية إسرائيل)- المعروفة اختصارا بالاسم العبرى «ليحى» أو «شتيرن» نسبة إلى مؤسسها- كانت واحدة من أكثر المنظمات الصهيونية خطورة وشهرة، فقد ارتبط اسمها باغتيال اللورد موين ونسف سرايا يافا عام 1947، والاشتراك فى اغتيال الكونت برنادوت فى سبتمبر 1948. وهذه المنظمة هى التى أسسها إبراهام شتيرن، الذى انشق عن منظمة الأرجون عام 1940، وكانت منظمة شتيرن تميل إلى العمل المستقل بعيداً عن وصاية المنظمة الصهيونية العالمية، وكانت تفضل استمرار الحرب ضد قوات الانتداب البريطانى، وكان إبراهام شتيرن قد لقى مصرعه على يد القوات البريطانية عام 1942، فقرر أنصاره فى منظمة «شتيرن» أن يثأروا له، فاغتالوا الوزير البريطانى المقيم لشؤون الشرق الأوسط اللورد موين فى القاهرة.