رحم الله الفيلسوف والعالم والأديب د. مصطفى محمود، فقد كنت وأنا فى سن صغيرة أتابع برنامجه الرائع «العلم والإيمان»، وأقل واجب لهذا العبقرى أن يقوم التليفزيون المصرى بإعادة هذه الحلقات التى كانت بالعلم تثرى العقول وبالإيمان تنير القلوب.. وفى نبذة عن حياته أذكر أنه ولد عام 1921 بشبين الكوم بمحافظة المنوفية، درس الطب وتخرج عام 1953.. تفرغ للكتابة والبحث عام 1960.. برع الدكتور مصطفى محمود فى فنون عديدة، منها الفكر والأدب والفلسفة والتصوف، وأحياناً أثارت أفكاره ومقالاته جدلاً واسعاً عبر الصحف ووسائل الإعلام.. ألف 89 كتاباً منها الكتب العلمية والدينية والفلسفية والاجتماعية والسياسية، إضافة إلى الحكايات والمسرحيات وقصص الرحلات، وقدم 400 حلقة من برنامجه التليفزيونى الشهير «العلم والإيمان».. أنشأ عام 1979 مسجده فى القاهرة المعروف ب«مسجد مصطفى محمود». الغريب أننا نعيش الآن الفترة التى تحدث عنها من سنوات بعيدة!! ولقد تحدث الدكتور مصطفى محمود فى أحد كتبه فى «السبعينيات» عن «أنفلونزا الخنازير» التى تجتاح العالم هذه الأيام، فشرح لقرائه كيف أن هذا المرض متوطن فى الخنزير.. كان الدكتور مصطفى محمود عاصفة فكرية قبل أن يمرض وتتدهور حالته.. وكان نموذجاً للمفكر والباحث ونبراساً لتنوير العقول فى السبعينيات وحتى التسعينيات، حتى إنه تفوق على وزارة التربية والتعليم فى جذب انتباه الطلاب والشباب لبرنامجه الغزير بالعلم المبسط لدرجة السهل الممتنع فى عرض قدرات الله فى خلقه. إن الدكتور مصطفى محمود هو أحد النماذج المشرفة للعطاء الإنسانى، رغم أن الكثير اتهموه بالإلحاد فى فترة ما، فعاد وكتب كتابه الشهير «حوار مع صديقى الملحد» ليرد على هموم جيل من الشباب الحائر، الذى كاد أن يفقد جذوره وأصوله وعاداته وتقاليده ودينه، ويتساءل عن وجود الله، خصوصاً فى فترة ما بعد نكسة 1967.. وكان هذا العالم الكبير يحث المصريين والعرب على العلم والابتكار، وكان يقول: «نحن مشغولون بلقمة العيش لإطعام البدن، ولكننا نحتاج إلى روح لهذا البدن الذى نغذيه، والروح هى العلم والابتكار والاختراع لنلحق بركب الحضارة، فالرغيف الذى نأكله سيساعدنا فى عبور الشارع، أما العلم فسيساعدنا لعبور الفضاء إلى الكواكب، والهندسة الوراثية ستساعدنا فى إنتاج 100 ألف رغيف بدلا من رغيف واحد وتجعل الحبوب ترمى بدلاً من المحصول عشرين ألف محصول».. هذا هو بالضبط ما تفعله أمريكا هذه الأيام بالهندسة الوراثية.. لكننا نحن الآن فى مصر نستورد أكثر من سبعين فى المائة من غذائنا. هكذا كان العالم والفيلسوف والمفكر د.مصطفى محمود سابق عصره.. رحمه الله وأدخله فسيح جناته على ما قدمه لنا من علم غزير. سلوى ياسين - الإسماعيلية