نحن شعب خائف طول الوقت. نعمل خوفا من الجلوس فى المنزل، نتعلم خوفا من الجهل، نتزوج خوفا من تقدم العمر، ننجب خوفا من المعايرة بالعقم، ندخر المال خوفاً من الفقر، نقود سياراتنا بسرعة خوفا من التأخير، نعزم أقاربنا خوفا من اتهامنا بالبخل، نعيش مع أشخاص لا نتفق معهم خوفاً من الطلاق، نتشاجر خوفاً من الضعف، نسرق خوفاً من قلة الحيلة، نتظاهر خوفاً من الخضوع، نقتل خوفاً من الموت، نغترب خوفاً من تقلبات الوطن، لا نحارب خوفاً من عار الهزيمة، ونحارب خوفاً من اتهامنا بالجبن، ننصر الظالم خوفا من ظلمه، نظلم خوفا من أن نظلم، نبحث عن نقائص الناس خوفا من كشف نقائصنا، نبتكر خوفاً من النسيان، نصلى خوفا من الله، ونزكى ونصوم خوفاً من النار. سلسلة من الخوف لا تنتهى إلا بنزول القبر. الخائف فى الحقيقة لا يفعل شيئا بجد، لذلك فنحن نتظاهر بفعل الشىء فى حين أننا خائفون قبل الفعل وخلاله وبعده، ونمثل طول الوقت الشجاعة والحكمة والمروءة والقوة والكرم والفضل والحب والحنان، نساعد الآخرين كأفراد ليس حبا فيهم بل حبا فى أنفسنا، وكدولة نساعد غيرنا ليكتب عنا المجتمع الدولى. نبحث دائما عن انتصارات - لا نفعلها - لتسكن أوجاع إحساسنا بالهزيمة فى معركة الحياة التى ننتظر من يكسبها لنا، وإذا أصبحنا فى موقف «نكون أولا نكون» نختار دائماً ما بينهما لنوصف بالحكمة. أصبحنا مجموعة أحلام خائفة تسير فى شرايين كائن على فراش الحكم اسمه مصر، أحلام خائفة ترتدى بدلة شيك، أوفستاناً غالياً أو بنطلوناً وقميصاً، أو مايوه، أو جلباباً، أوغيرها من القوالب التى ندارى فيها خوفنا، وفى المرض والموت فقط نرحم بعضنا البعض، بل هناك من لا يرحم حتى فى هاتين الحالتين. نتدخل فى حياة غيرنا - سواء أفراد أومؤسسات - لكى نفعل ما عجزنا عن فعله فى حياتنا أولنجد مبررا للعجز، وأصبح الحلال لنا حراما على غيرنا. نهاجم وننتقد - بخوف - من جاءته الفرصة واستغلها - بخوف أيضا - سواء فرد أومؤسسة، نتهمه بالخيانة والفساد والعمالة لجهات نخترع بعضها أحياناً، لنظهر أننا شرفاء شجعان مخلصون للوطن، وذلك فقط لأن الفرصة لم تأت، ولنا عندما تكون بين أيدينا لحظة ذهبية لإثبات الوجود ومحوكل أخطائنا، نتردد ونرتبك ونهاجم بعضنا وننتظر من يشور علينا بالصواب. أيتها النخبة والمثقفون والمهيمنون وحكام هذا البلد، أيها الخبراء والحكماء والسعداء، حيوا ملككم الجديد، ملك الإحساس، «الخوف».