بعد أن بدأت تدبُّ فى أوصال النظام الاقتصادى العالمى مظاهر الاطمئنان الحذر، الذى تلا أزمة مالية عنيفة لم يشهد مثلها العالم منذ ما قبل الحرب العالمية الثانية، فاجأت دبى الجميع بإعلان كبرى شركاتها وهى «دبى العالمية»، المملوكة لحكومة الإمارة عن نيتها تأجيل مديونياتها لمدة ستة أشهر، حيث يقدر إجمالى ما على الشركة ب 59 مليار دولار. وجاء ذلك فى أعقاب رسائل طمأنة متكررة من الإمارة للمستثمرين والدائنين على مدى الأشهر الماضية بأن مديونيات الإمارة وشركاتها التى تربو على 80 مليار دولار تحت السيطرة. وجاء التوقيت أيضاً سيئاً، ولعله كان مقصوداً، فقد سبق عطلة عيد الأضحى الطويلة بدولة الإمارات، مما تعذر معه التواصل مع الشركات والمؤسسات المالية بالإمارة، وشعر المستثمرون والدائنون بالعجز والغضب حيال إغلاق البورصة فى تلك الفترة وبسبب عدم التواصل معهم أو الإفصاح بالشكل الكافى لهم. وشهدت البورصات الآسيوية والأوروبية والأمريكية (فى اليوم التالى لعطلة عيد الشكر هناك) هبوطاً قاسياً، ترجمة لتوابع ما أعلنته شركة دبى العالمية، وتخوفاً مما قد يلى ذلك من أخبار سيئة أخرى. وتعد البنوك الأوروبية وعلى الأخص البريطانية الممول الأكبر لدبى وشركاتها بما يجاوز نصف تلك المديونية. ولاحظ المتابعون أن حاكم دبى عزل قبل ذلك الإعلان بأيام قليلة عدداً من النافذين فى الشأن المالى والاقتصادى فى الإمارة ممن يمثلون «الفكر الجديد» هناك، مثل عمر بن سليمان من على رأس مركز دبى العالمى، كما نحَّى محمد الجرجاوى، الرئيس التنفيذى لمجموعة دبى القابضة، وسلطان بن سليمان، الذى يرأس شركة عالم دبى، ومحمد العبار رئيس شركة إعمار العقارية من عضوية مجلس إدارة مؤسسة دبى للاستثمار، وهو ما قد يشير إلى اللجوء لسياسات استثمارية ومالية أكثر تقليدية ومحافظة فى الفترة القادمة. وقد عملت حكومة إمارة أبوظبى، الأغنى والأكثر ملاءة، على دعم دبى فى الربيع الماضى مع اشتداد وطأة الأزمة المالية العالمية عليها، ويراهن العالم الآن على تدخلها بالمساندة مرة ثانية، وإن كان يعتقد أنها لو تكررت ستكون مشروطة – ولو لم يعلن ذلك على الملأ حفظاً لماء الوجه لدى القائمين على شؤون دبى- وستتبعها سيطرة واضحة على مقدرات المؤسسات والشركات التى يتم دعمها مالياً. ولا شك أن تلك الأزمة، ولا نعلم حتى الآن إن كانت كبوة مؤقتة أم بداية لمرحلة جديدة أقل تألقاً فى مسيرة إمارة دبى ستؤثر على المناخ المالى والاستثمارى لفترة لا يستهان بها فى دبى ودولة الإمارات بشكل عام. ولما كانت استثمارات دولة الإمارات ودبى على وجه الخصوص فى مصر، والمقدرة ب 20 مليار جنيه، تجعلها ثالث أكبر مستثمر مباشر لدينا والأولى عربياً من خلال أكثر من أربعمائة شركة من ضمنها «اتصالات، إعمار، موانئ دبى، تمويل، بنك أبوظبى الإسلامى، البنك الوطنى المتحد إلخ...»، فمن حقنا أن نقلق ونتابع التطورات عن كثب. فالتأثير السلبى المحتمل، إضافة للاستثمارات القائمة بالفعل، لا شك قد يدفع إلى إعادة النظر فى استثمارات جديدة جار دراستها أو أعمال من الممكن إسنادها لشركات مصرية فى مجالات المقاولات والخدمات الهندسية والبنية الأساسية وغيرها، كما أن غالبية صناديق الاستثمار المباشر فى المنطقة تتخذ من الإمارات قاعدة لها. ومن جانب آخر قد تكون فقاعة دبى – كما يطلق عليها البعض – تنبيهاً للعديد من المستثمرين الإقليميين والعالميين بمغبة الانجراف وراء بريق تلك الإمارة الذى توهج بشدة فى السنوات الأخيرة وبأهمية البحث عن أسواق حقيقية تتمتع بالعمق وبمقومات الاقتصاد الحقيقى، ومن ضمنها مصر. وهنا قد تكون الاستفادة لنا من استقطاب استثمار مباشر من دول ومناطق أخرى لا سيما فى ظل قطاع مالى مستقر ومصارف تتمتع بسيولة عالية، وما أظن الهيئة العامة للاستثمار فى مصر غافلة عن ذلك. شريف سامى خبير الاستثمار والتطوير المؤسسى