البراءة الطفولية التى تطل من عينى نيفين 9 سنوات، تجعلك لا تتخيل حجم المعاناة التى تعانيها طفلة بمثل عمرها، وبحجمها الهزيل، نتيجة عيشها بمنطقة «الدويقة»، معاناة نيفين ليست مرتبطة فقط بصعوبة المعيشة وضعف الإمكانيات المادية التى جعلتها هى وأسرتها يعيشون فى غرفة صغيرة، بالإضافة إلى مرض والدها بالقلب الذى يقعده عن العمل معظم أيام الأسبوع، إنما هى معاناة مختلفة تمر بها تلك الطفلة، وتحاول أن تتناساها بابتسامة صغيرة ترد بها على كل من يسألها عن حالها. بدأت المشكلة منذ أربع سنوات عندما أنجبت والدتها طفلاً جديداً، أطلقت عليه اسم «رضا» تعبيراً عن رضاها وسعادتها به، وكانت نيفين أشد أخواتها فرحاً بالمولود الجديد، وأكثرهم ارتباطاً به، لكن القدر لم يمنح نيفين سوى 40 يوماً للفرح، وذلك عندما خرجت العقارب من جبل الدويقة لتلدغ أصغر أخواتها لدغة أودت بحياته فى الحال. «نفسى فى بيت جديد وفى دويقة جديدة مفيهاش عقارب».. هى الأمنية التى تحلم بها نيفين ليلا نهارا، خاصة أن فصول المأساة لم تنته بموت رضا أصغر أخواتها، بل تكاد تكون بدأت به، لتهدد أسرتها كاملة، ولتنفذ تهديدها مرة أخرى مع أخيها الأكبر «أحمد»، الذى كانت تعتمد عليه الأسرة لإعالتها معيشياً، حيث أخرجته والدتها من مدرسته مبكراً ليصبح سندها فى الحياة بعد مرض الزوج، وعمل أحمد كمسرى سيارات مقابل 400 جنيه شهريا كانوا العائل الوحيد للأسرة فى مواجهة أعباء الحياة، لكن العقارب والثعابين لم تترك نيفين فى حالها لتلدغ مرة أخرى أخاها الأكبر أحمد، حيث فاقت فى أحد الأيام مفزوعة من نومها على حالة من التشنج أصابت أخاها مع ارتفاع شديد فى درجة الحرارة، فسره الأطباء بعد ذلك بالحمى الشوكية والتسمم اللذين أصابوه نتيجة اللدغة، ليتوفى بعدها بأسبوع واحد فقط بنفس الطريقة التى توفى بها الأخ الأصغر. «أنا نفسى أطلع دكتورة لأن أخويا الكبير أحمد وصانى أذاكر كويس وأدخل طب علشان أعالج كل العيانين فى الدويقة».. وصية تتذكرها نيفين وترددها دائما بصوت مسموع لكل من حولها، وهى تغالب دموعها عندما تتذكر وفاة أخيها الأكبر، «أخويا مرضيش يطلعنى من التعليم وكان دايما بيقولى إن مذاكرتى أهم حاجة فى الدنيا». قتل العقارب وجمعها فى برطمان مع خلطها بالزيت، هى الطريقة التى تتبعها مبروكة محمود عبد الله والدة نيفين للعلاج من لدغات العقارب، حيث تؤكد مبروكة إنها حصلت على تلك الوصفة من جيرانها بعد وفاة ولديها لصنع «زيت العقارب»، تدهن به من يلدغه العقرب فيتخلص من سمومها ويشفى، لكن نيفين تقاطع حديث الأم وترفض تلك الوصفة الشعبية، مع وعد لوالدتها بأنها عندما تكبر «وتبقى دكتورة» ستتوصل إلى وصفة علمية جديدة تحمى بها جميع سكان الدويقة من العقارب.
