من حق مصر أن تحمى حدودها، هذا هو الدور الأساسى للدولة ومؤسساتها، من حقها وواجبها أن تضمن أمان الحدود واستقرارها، وأن تتصدى لأى مخاطر يمكن أن تهددها، وأن تردع أى عدو أو صديق يحاول اختراقها، أو عبورها دون استئذان، تلك قضية محسومة لا تقبل الجدل، ولا تستوعب ترف النقاش والاختلاف. لكن ما يمكن أن يكون محور حوار ونقاش موضوعى وجاد هو سؤال يقول: كيف نحمى حدودنا، وكيف نضمن استقرارها، خاصة فى منطقة ملتهبة مثل المنطقة الشرقية تدور فيها مواجهات بين إسرائيل والفلسطينيين، ويمارس خلالها جانب الاحتلال ضغطاً واضحاً على سكان قطاع غزة لدفعهم للانفجار والاتجاه نحو طريق واحد للنجاة لا بديل عنه هو الطريق المتجه للأراضى المصرية. المؤكد أنك تعيش فى وطن لا يفتقر لقدرات عسكرية قادرة على حماية حدوده وردع من يفكر فى تجاوزها، واليقين الذى لا يقبل الشك أن هذه القوة التى تعبر عن نفسها، هى الضمانة الأساسية لاستقرار الحدود، وتلك القوة لا تنتظر دعوة لممارسة دورها الأصيل. لكن القدرات العسكرية وحدها كفيلة بضمان أمن الحدود فى مواجهة «عدو» تحركه مصالح ومطامع ضدك، لكنها ليست كافية ولا مناسبة فى مواجهة شقيق يحاول الهروب من الجوع والموت والمرض، ولا يجد مسلكاً شرعياً لنيل حقه فى فرصة للنجاة. لذلك لابد أن تسأل: هل يكفى جدار فولاذى عازل بين مصر وقطاع غزة لأمان الحدود، وضمان عدم اختراقها من الفلسطينيين المحاصرين، مثلما حدث فى يناير 2008، وهل يضمن جدار كذلك يغلق آخر منافذ الحياة فى وجه الفلسطينيين استقرار تلك المنطقة من الحدود؟ هل سنكون بمأمن بينما مليون ونصف على حدودنا يعانون مأساة إنسانية، ويتعرضون ل«إبادة جماعية» ممنهجة؟ الضمان الأمثل لاستقرار الحدود، هو ممارسة دور سياسى واضح لإنهاء الحصار المفروض على غزة، وإذا كان هذا الجدار يجرى بناؤه فى إطار اتفاق لإنهاء حرب غزة الأخيرة، فقد كان رفع الحصار جزءاً من هذا الاتفاق أيضاً، ومضى مصر قدماً فى تنفيذ التزاماتها دون الضغط على الاحتلال لتنفيذ التزاماته، ورفع الحصار عن القطاع، هو فى رأيى تطوع لا عائد مكتملاً منه، ويقدم لإسرائيل أمناً مجانياً لم تدفع فيه فى المقابل أمناً وحياة لسكان القطاع، يضمن بالتالى استقراراً لحدود مصر. لن يضمن استقرار الحدود جدار يمنع «الشاردة والواردة» بينما يموت جيراننا ببطء، قد نختلف سياسياً مع الحكام والأنظمة والتوجهات، وقد نكون مدفوعين فى إجراءاتنا بعدم تجاوب واضح من حكومة غزة مع جهود مصرية واضحة ومخلصة لإنهاء الانقسام الفلسطينى وتهيئة الأجواء للانفراج، لكن الحل ليس فى مزيد من التعقيد والإضعاف والحصار، الحل أن تضع مصر «الكبيرة» كل إمكاناتها السياسية ووضعها الإقليمى والدولى لرفع الحصار، وأن تمارس نفوذا حقيقياً لبلوغ هذا الهدف، هى فى ذلك لا تخدم حماس.. لكنها تضمن بإجراء أكثر فاعلية استقرار حدودها. الجدار وحده لا يكفى لاستقرار الحدود، هو إجراء شديد القسوة، ومتطرف فى الاحتياط، رغم امتلاكه كل الشرعية والقانونية باعتباره إجراء سيادياً، لكن أن ينهض هذا الجدار فى وجه الحياة بالنسبة للفلسطينيين، دون توازى إنشائه مع فتح مسارات محددة وشرعية وذات دوام لتواصل الفلسطينيين مع العالم، نكون وبوضوح نشارك فى «جريمة إنسانية» بكل المعايير الدولية والقانونية، ولا نضمن فى الوقت نفسه استقرار حدودنا.. فقط نقدم خدمة مجانية لإسرائيل..! [email protected]