لن تعرف - حتى لو اجتهدت - معايير اختيار الوزراء فى مصر، كما أنك لن تعرف أسباب استبعادهم، ولا مغزى إجراء التغيير والهدف منه، حتى لو حدثوك بالعبارات الإنشائية «سابقة التجهيز» حول الحكمة من ورائه. كيف تعرف كل ذلك إذا كان الوزراء أنفسهم لا يعرفون لماذا يجيئون بهم، ولماذا يطيحون بهم أيضاً بشكل مفاجئ، دون أن يحصل أغلبهم على فرصة «العلم بالشىء» قبل حدوثه فيفاجأ به فى الصحف مثله مثل أى قارئ، وكأنه الموت الذى يأتى بغتة. فى حالة كتلك، يبدو النظام وكأنه يطبق الحديث الشريف: «من كان بيده فسيلة فليزرعها» فيترك الوزير يؤدى مهامه بشكل طبيعى، يروج لحملات، ويستقبل الوفود وكأنه «يعيش فى الوزارة أبداً»، بينما قرار استبعاده موقع، وينتظر لحظة الإعلان، ربما يريد النظام من أى وزير ينوى الإطاحة به ألا يتكاسل وأن يظل يعمل بالهمة ذاتها حتى اللحظات الأخيرة له فى الوزارة، لكن ذلك لا يبرر أبداً أن يعرف بأمر إقالته من الصحف أو من قنوات التليفزيون أو رسائل ال«sms» التى تنقل عناوين الأخبار للمشتركين. هذا الموقف الذى ترصده الصحف عند كل تعديل وزارى يعكس لك، إلى حد كبير، نظرة النظام لوزراء الخدمات، وطريقة تعامله معهم، وهى طريقة فى التعامل لا تليق بصاحب عمل مع أجير لديه، لكن هناك من يعتقد أن تلك طريقة فى التعامل تليق بوزير فى حكومة. وإذا كنت لا تعرف لماذا يستبعد الوزراء فى مصر، والوزير نفسه لا يعرف بقرار استبعاده إلا من الصحف، فأنت أيضاً لا تعرف لماذا يجىء «فلان» بالتحديد بدلاً من «علان»، ولا المعايير التى يتم على أساسها الاختيار، وإذا كنا عانينا قبل ذلك من أزمة تغليب أهل الثقة على أهل الكفاءة، فإنك الآن لا تدرى على أى أساس يتم الاختيار. وتشعر بأن هناك من يتولى حقيبة وزارية لمجرد أن هناك رغبة عليا فى منحه لقب الوزير، أو أن أوان «استوزاره» قد حل، ووقتها يمكن اختراع وزارة له، أو شطر وزارة نصفين ومنحه نصفها، أو حتى الإطاحة بأضعف الموجودين فى مجلس الوزراء لصالحه، كذلك يجرى اختيار البعض لأنهم أصدقاء من يشكل الحكومة أو زملاء دراسته، أو جيرانه. لاحظ أن وزارة الاتصالات والمعلومات التى كان د. أحمد نظيف أول وزير لها خرج من بين كوادرها حتى الآن 3 وزراء غير رؤساء مجالس إدارات الهيئات والشركات الحكومية الكبرى. يروى أن أستاذاً جامعياً كبيراً ومحترماً التقى مسؤولاً حكومياً رفيع المستوى كان زميل دراسته الجامعية فى الوقت ذاته، وتشاركا التدريس فى الجامعة والعمل الخاص، قبل أن يكلفه المسؤول الحكومى بمهمة الإشراف على مشروع حكومى كبير وله فروع فى المحافظات، يومها قال له المسؤول الحكومى: «مش عاوز تبقى وزير».. فرد عليه أستاذ الجامعة: «هى المسألة فى إنى عاوز أو لأ».. فرد عليه المسؤول الحكومى: «إنت الوحيد اللى فى أصحابى مأخدتش وزارة». من حقى أن أصدق ذلك، أولاً: لأننى سمعته شخصياً من أستاذ الجامعة المحترم، الذى أصبح، بعد هذا الحديث بأيام، عضواً فى هيئة مرموقة ذات صفة قضائية.. وثانياً: لأنه لا توجد أى معايير معلنة فى اختيار الوزراء.. ولا أية بيانات واضحة وكاشفة عن أسباب استبعادهم. [email protected]