فى الرابع من ديسمبر الحالى وبعد أن زكته العديد من القوى السياسية المصرية، طرح د. محمد البرادعى شروطه المعروفة للترشح فى الانتخابات الرئاسية. وعقب ذلك تبارى ثلاثة من رؤساء تحرير الصحف القومية وهى «الأهرام» و«الجمهورية» و«روزاليوسف» فى التصدى له، وهؤلاء ومن شابههم هم من المعينين بموجب قرارات من المجلس الأعلى للصحافة، الذى يهيمن عليه الحزب الوطنى الديمقراطى. وقد قام هؤلاء بهذا الإسهام فى سلسلة من المقالات بلغ عددها ثمانية. وقد أقرت رؤية رؤساء التحرير فى تناولهم لشروط البرادعى ما يشير إلى رفض المرشح وشروطه، وهذا الأمر يبدو مبررًا فى ظل الطبيعة الحاكمة لأى مؤسسات ذات طابع قومى فى نظام استبدادى. وبعبارة أخرى، فإن ما يكتب عادة من هؤلاء يستطيع القارئ توقعه قبل أن يبدأ فى قراءة ما يسطر، ليس لأن النظام الحاكم يشهر عصاه فى وجه هؤلاء، قدر ما هو إشهار لمزايا التواجد ضمن نخبة هذا النظام. أكثر من ذلك، فإن محاولات نقد الشروط يشم القارئ فيها استخدام عبارات شبه موحدة، الأمر الذى يدل على أن بعضها ربما كان مصدر معلوماته واحدًا، اللهم إلا لو كنا فى حالة توارد غريب للأفكار. فواضع الشروط وكان من العاملين بوزارة الخارجية (ترتيبه فى دفعته الأخير، أو قبل الأخير.. أسامة سرايا 4/12) و(كان ترتيبه قبل الأخير فى دفعته.. محمد على إبراهيم 4/12)، و(يحمل الجواز السويدى منذ سنوات.. سرايا 4/12) و(يحمل جواز سفر سويديًا منذ فترة طويلة.. إبراهيم 4/12) وما يمارسه هو (مجموعة من الالتواءات.. عبدالله كمال 6/12). واستمراراً فى توارد الأفكار البديع وسبرًا لأغوار شخصية البرادعى وتخصصه وتاريخه، شككت المقالات فى حياده خلال عمله (أمسك المفتش الدولى العصا من المنتصف بما أعطى المبرر الضمنى للغزو الأمريكى للعراق.. سرايا 11/12) وغير مواقفه بشأن أسلحة الدمار الشامل بالعراق بعد اجتماعه مع «رايس» التى نوهت بموعد التجديد له على رأس الوكالة، ففهم الرسالة، كما أنه إرضاء للولايات المتحدة لم يصدر قراراً دولياً واحد يدين النشاط النووى الإسرائيلى.. وقد غفرت له مصر كل ذلك ومنحه مبارك قلادة النيل.. (إبراهيم 5/12). على أن أخطر ما جاء من نقد قد وصل لحد التهكم على واضع الشروط أو التلويح باتهامه بالعمالة للخارج أو كونه بوقًا لقوى المعارضة، لدرجة قد تصل لحد السب، فهو أو ما فعله(يحمل ضغينة لبلاده.. الوثوب على المنصب الرفيع لحساب مصالح متعددة.. مرشحًا (لرئاسة الوكالة) محسوبُا على الأمريكيين والأوروبيين.. قراءات وتحليلات صاغتها قوة معادية لبلادنا تبحث عن إثارة الفوضى.. كفانا تدخلاً فى شئوننا الداخلية.. نقول له لا تكن مطية سهلة لقوى خارجية أو لمجموعات مصالح تتربص بالتجربة المصرية.. بعض القوى التى يستمع إليها أو يقرأها.. بدا وكأنه يستقوى بالخارج.. سرايا 4 و11/12) وهو أو مقترحاته (يردد الكلام الذى تلوكه منظمات أجنبية أو جمعيات مصرية.. وهو مرشح «لرئاسة الوكالة» الولاياتالمتحدة وبريطانيا.. لا قومى ولا عربى.. تجميعًا لأفكار المعارضة التى ينادى بها المشتاقون للعب دور.. إبراهيم 4 و5 و6/12) والاشتباكات مع ما يقوله (قد تتيح له صيتًا.. كمال 6/12). وبالتحرك قليلاً نحو نقد شروط البرادعى من حيث الوقت والمكان، فقد رفضت المقالات أن تعطى له حق الكلام وقتما وأينما شاء (كان بوسعه أن يعلن ذلك من عاصمة الدولة التى يريد قيادتها.. سرايا 11/12) و(كان عليه أن يعود إلى مصر أولاً ثم يصدر بيانه.. إبراهيم 5/12). وبالنسبة للشروط نفسها أمعنت المقالات فى تغييب وعى القارئ بحديثها عن الطفرة الإيجابية التى حدثت بالإصلاح الدستورى، رغم علم الكثيرين أنها قللت من سلطات رئيس الدولة لصالح رئيس الوزراء ومجلس الوزراء ورئيسى مجلسى الشعب والشورى، مع استمرار النص على أن هؤلاء يعينهم ويقيلهم رئيس الدولة، ناهيك عن أنها نوهت لإمكان تعليق مواد الحريات فى الدستور بموجب قانون مكافحة الإرهاب، ورفضت الإشراف القضائى الكامل على الانتخابات الرئاسية، بتأسيس لجنة نصف عدد أعضائها من الشخصيات العامة معينون من البرلمان ذى الأغلبية الآلية للحزب الحاكم. هنا تنتقد المقالات شروط البرادعى، لأنه لم يعلم شيئاً عن (التعديلات الدستورية التى فتحت مجالات الحرية والمنافسة على منصب الرئيس.. سرايا 4 و11/12) وهى تعديلات أقرت بوجود (لجنة قومية ومستقلة للإشراف على الانتخابات.. إبراهيم 4/11). وفى إقرار غير مقصود بسلبية التعديلات اعتبرت بعض مقالات «القوميين» أن طلب البرادعى منح حق الترشح للمستقلين كافة بأنه (غير معقول .. إبراهيم 5/12) لأن ذلك هو نفس مطلب الإخوان. لكل أو لبعض ما سبق فإن البرادعى يضع (شروط صعبة للترشيح.. سرايا 11/12) و(مستحيلة.. إبراهيم 5/12) و(تغير شروط اللعبة.. كمال 6/12). الخلاصة أن المرشح للرئاسة يجب أن تكون له شروط لا تتوافر فى البرادعى، بل إنها من واقع ما ذكرته تلك المقالات لا تنطبق إلا على الرئيس مبارك، ولا يكفى البرادعى أن يطمع فى ذلك لمجرد كونه مرشح الصحافة والإعلام.. (كمال 7/12)، رشحه عدد محدود من الناس (سرايا 11/12) ولا يعرفه سوى 5% من الشعب أو رشحه نحو 500 شخص (إبراهيم 5 و6/12)، أو لمجرد أنه خبير دولى فى مجال الطاقة النووية (سرايا 4/12)، فتلك الخبرة التى يشاركه فيها مصريون كثيرون لا تعنى الخبرة فى شؤون الرئاسة (إبراهيم 4 و5/12). هكذا وصل الحال بصحف وصحفى مصر.. ولا تعليق أكثر من ذلك.