الحلم النووى المصرى قديم بدأ فى الخمسينيات مع الدول التى أصبحت قوى نووية مثل الهند وإسرائيل وغيرها ولكن إسرائيل والغرب معاً قاموا بخطوات صارمة لمنع هذا المشروع المصرى وساعدهم على ذلك كارثة 1967 التى أدت إلى انتهاء الحلم النووى المصرى لإحداث توازن قوى فى المنطقة إلى الأبد. وبدأ التفكير فى حلم نووى آخر وهوتوليد الطاقة الكهربائية من المفاعلات النووية وفى أثناء تولى ماهر أباظة وزارة الكهرباء تعاقد السادات مباشرة مع الفرنسيين للتعاون فى إنشاء مفاعلات ذرية فى مصر وذلك فى عام 1981. وفى عام 1986 قرر مبارك بعد كارثة المفاعل الروسى تشرنوبل إيقاف البرتوكول الذى كان على وشك البدء فى التنفيذ مع الحكومة الفرنسية ثم نسيان أمر الطاقة النووية تماماً خلال مدة طويلة. وأخيراً تنبهت مصر إلى ضرورة البدء فى إنشاء مفاعلات نووية لتوليد الطاقة لأن الأمر ببساطة ولغير المتخصص، أن الطاقة المتاحة حالياً فى مصر هى من 18– 20 جيجا وما يقوله وزير الكهرباء عن إنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية فى الكريمات لو تم تشغيله ونجاحه سوف ينتج ثلاثة فى المائة من واحد جيجا فقط ومشروع إنتاج الطاقة من الرياح سوف يوفر اثنين فى المائة من واحد جيجا، يعنى ذلك أن جميع مشاريع الطاقة البديلة لن تزيد عن عشرة بالمائة من جيجا واحدة أى أنها سوف تكون أقل من واحد بالمائة بكثير من احتياجاتنا من الطاقة والمعروف حسب الدراسات العلمية أنه فى عام 2020 لو استمر استهلاك الطاقة بالمعدل الحالى فسوف تزيد احتياجاتنا إلى 45 جيجا. واضح إذن أن احتياجاتنا من الطاقة كبيرة ولا توجد مصادر بديلة واضحة لإنتاجنا. تبقى نقطتان الأولى هى التكلفة، من المعروف أنه عندما يصل سعر برميل البترول إلى ثمانية وعشرين دولاراً تكون الطاقة النووية مساوية فى التكلفة للطاقة المستمدة من البترول وحيث إن ثمن برميل البترول الآن تخطى الخمسة والسبعين دولاراً يعنى ذلك أن تكلفة إنتاج الطاقة النووية سوف تكون حوالى ثلث تكلفة إنتاجها من البترول. نأتى إلى المخاطر، بالطبع هناك دائماً مخاطر من استخدام الطاقة النووية ولكن الطاقة النووية الحديثة آمنة بشكل كبير وبالطبع يجب أن يكون هناك التزام وحرص شديدان أثناء تشغيل المفاعلات ولنعلم أن فرنسا تنتج 77% من طاقتها عن طريق المفاعلات النووية بطريقة آمنة منذ عشرات السنين. وبالإضافة إلى الطاقة سوف يضيف هذا المشروع تكنولوجيا حديثة ومفيدة لمصر وربما يجذب عدداً من المعلماء المصريين فى هذا المجال من الخارج بعد أن انفرط عقدهم وتوقفت جميع المشروعات المصرية فى الطاقة النووية. الأمر خطير ومصر لا تأخذه بجدية كافية ولا بنظرة مستقبلية فها هو مشروع الطاقة النووية للأغراض السلمية تعطل منذ أن تولى مبارك الحكم لأسباب مختلفة أهمها عدم وضوح الرؤية المستقبلية عند الدولة وهذا الأمر كان واضحاً فى بيع مصادرنا من الغاز الطبيعى إلى إسرائيل بعقود طويلة بسعر بخس. وقد وصلنا لمرحلة جديدة يريدون فيها تأجيل المشروع النووى مدة أخرى لعشرات السنوات بالاستيلاء على الضبعة لعمل مشروعات سياحية. لقد بدأت دراسة مكان الضبعة واختياره مع مكتب استشارى سويسرى فى أواخر السبعينيات لمدة خمس سنوات ثبت بعدها أن هذا الموقع هو الأكثر مناسبة والأقل تكلفة وتم تخصيصه بقرار جمهورى لإنشاء أربع محطات نووية طاقة كل واحدة ألف ميجا. وخلال ثلاثين عاماً من المتابعة بالأجهزة الدقيقة تم صرف ما يقرب من مليار جنيه على الضبعة وتمت مراقبة التغييرات فى المياه وقياس سرعات واتجاه الرياح وأنشئت محطة للمياه الجوفية وقياس للزلازل وثبت من ذلك كله أن الضبعة هى المكان المناسب وأن التخلى عن الضبعة يعنى إهدار مليار جنيه ومجهود علماء وأبحاث والبدء من جديد فى دراسات تستغرق سنوات طويلة. وأخيراً أسندت إلى مكتب استشارى أسترالى إعادة دراسة المكان وهو ما يعتبره الخبراء تكلفة إضافية غير ذات فائدة. وقد علمت من مصدر موثوق أن التقرير النهائى للمكتب الأسترالى قد صدر وهو موجود فى مكتب وزير الكهرباء فى درج مغلق وأن التقرير يؤيد بوضوح أن الضعبة هى المكان الأنسب، ولا أحد يريد إعلانه. انظروا ماذا فعل رجال الأعمال الذين يحلمون بالضبعة وينسون مستقبل الوطن: قاموا بحملة مخططة للإساءة وتخويف الناس من الطاقة النووية وقام البعض بشراء أراض صحراوية وضع يد من البدو وفى المنطقة ولا أحد يدرى كيف تم ذلك وبدأت عصابات المافيا ترسل متسللين إلى داخل المنطقة وكلها أمور تافهة ولكن فى ظروف الفوضى التى تعيشها مصر لا أحد يدرى ماذا سوف يحدث. الخلاصة أن المشروع ضرورة وأننا تأخرنا كثيراً لأسباب بعضها خارج عن إرادتنا وبعضها لعدم قدرتنا على تصور المستقبل وأخيراً لأن بعض رجال الأعمال لا يهمهم مستقبل مصر والتصنيع لأولادنا وأحفادنا وإنما يهمهم فقط مكاسب ضخمة بالمليارات فى أراضى الدولة تتوزع على حفنة من المصريين ربما تذهب أموالهم إلى بنوك أوروبا وأمريكا. واضح أن القرار النهائى سوف يصدر قريباً إلا إذا انتصرت مصالح القوى الجديدة الصاعدة على مستقبل مصر ويتم تأجيل اتخاذ القرار حتى ينسى الناس المشروع ويتم الاستيلاء على الضبعة فى هدوء. الكرة الآن فى ملعب الرئيس مبارك فنحن فى انتظار قرار نرجو ألا يتأخر عشرات أخرى من السنوات أو يحيد عن المسار الطبيعى تحت ضغوط رجال الأعمال الجدد.