كلما تصورت أنه لا يوجد ما هو أسوأ من المحنة العربية كما نعيشها اليوم إذا بى أفاجأ بمستويات جديدة من التردى لم تكن تخطر ببالى منذ شهور قليلة. خذ عندك مثلا ما يحدث على الصعيد الفلسطينى. فقد نشرت صحيفة «هاآرتس» الإسرئيلية تقريرا هذا الأسبوع قالت فيه إن الرئيس الفلسطينى محمود عباس اقترح على إدارة أوباما أن تتفاوض مع إسرائيل «نيابة عن الفلسطينيين» بشأن الحدود، وهو ما شرحته الجريدة بأنه محاولة للالتفاف حول الجمود الراهن فى مسيرة المفاوضات المتوقفة منذ أكثر من عام. وأن أمريكا لم ترد بعد على الاقتراح. أى أن الفلسطينيين يريدون أن يتفاوض الأمريكان نيابة عنهم والأمريكان يتمنعون!. وقالت الصحيفة أيضا إن محمود عباس مستعد لاستئناف المفاوضات مع نتنياهو إذا ما وافق الأخير على تجميد المستوطنات لمدة ستة أشهر فقط وأن لا حاجة لنتنياهو أن يصرح علنا بذلك التجميد لئلا يؤدى ذلك لغضب المتشددين فى ائتلافه الحاكم. وقد نقلت الصحيفة عن أحد المسؤولين الإسرائيليين رفض الفكرة من أساسها لأنها «تتنافى مع كل ما يعبر عنه نتنياهو ويؤمن به». باختصار يرفض الإسرائيليون العرض الفلسطينى الهادف للحفاظ على «الوحدة الوطنية الإسرائيلية»!. إذا صح الخبر الذى نشرته هاآرتس فإنه يعنى أن هناك خللا فادحا فى الرؤية لا أعرف إن كان قابلا للعلاج. ورغم أننى أتمنى أن يثبت أن تقرير هاآرتس ليس دقيقا إلا أن ملامح الخلل نفسه كشفت عن نفسها مؤخرا فى أنباء أخرى ثابتة وموثقة. ففى حوار أجرته صحيفة الشرق الأوسط السعودية مع محمود عباس نشر فى 20 ديسمبر الماضى كانت هناك مفاجآت عدة من العيار الثقيل. فالرئيس الفلسطينى وجه اللوم لأوباما ليس لأنه فشل فى وقف الاستيطان وإنما لأنه اشترط وقف الاستيطان أصلا. ففى ذلك الحوار قال أبو مازن إن «أوباما وضع شرط وقف الاستيطان بالكامل... ماذا كان بإمكانى أن أقول. أقول له هاى تخينة؟» (يقصد أنه شرط مبالغ فيه!!). وكان ماقاله أبومازن جزءا من حوار مطول يشرح فيه السياق الذى أدى للجمود الحالى فى مفاوضات التسوية. وقد بدأ أبومازن الحكاية من المفاوضات التى جرت مع حكومة أولمرت ثم تحدث عن توقفها بعد أن كانت قد حققت تقدما على حد تعبيره لولا أن «حصل ما حصل» لأولمرت فحدث التراجع. وقد ذكر أبومازن أن إدارة بوش سعت فى شهورها الأخيرة لإجراء محاولة أخيرة لاستئناف تلك المفاوضات فاقترحت كوندوليزا رايس عقد لقاء إسرائيلى فلسطينى فى واشنطن فى الثالث من يناير 2008 وافق عليه الفلسطينيون. وأكد أبومازن أن الفلسطينيين كانوا «مستعدين لعقد تلك الجولة" حتى بعد اندلاع الحرب على غزة لولا رفض الإسرائيليين(!!) وأضاف أنه - أى أبو مازن - كان «ضد العدوان والإرهاب» الإسرائيلى «لكن هذا ليس موضوعنا (!!)... لكن المفاوضات لم تستأنف وجاء الرئيس باراك أوباما وقال إنه لابد من وقف الاستيطان بشكل كامل». أى انتهى الأمر حين جاء أوباما وأصر على حكاية وقف الاستيطان الكامل تلك! وإذا كان وقف الاستيطان هو من الشروط «التخينة» على حد تعبير الرئيس الفلسطينى فما الذى يدعو أوباما يا ترى للإصرار على موقفه من الاستيطان أو من غيره؟! ألست معى عزيزى القارئ أننا فعلا فى زمن المحن والعجائب؟!