«رسالة أوباما» ضغط على الفلسطينيين أم أول ضمانات أمريكية «مكتوبة»؟ موسى وأبومازن وأبو الغيط أثناء مناقشة العودة للمفاوضات غير المباشرة بإسرائيل قبل مغادرته القاهرة نهاية الأسبوع الماضي، اعترف الرئيس الفلسطيني محمود عباس أبومازن لصحيفة ديلي تلغراف البريطانية بأنه «يواجه ضغوطا لم يتعرض لمثلها في حياته». ربما ليست المشكلة في الضغوط في حد ذاتها، وهي كما بات معروفا ضغوط تستهدف دفع الرئيس الفلسطيني لاستئناف المفاوضات المباشرة غير المشروطة مع إسرائيل، بل تكمن المشكلة في أن تلك «الضغوط» تستهدف محمود عباس تحديدا الذي لم يعرف عنه يومًا تشددا في مواجهة الإسرائيليين، أو موقفا حاسما إزاء الأمريكيين، ربما أيضًا يتضح حجم المشكلة عند تذكر الرجل الذي يمثل الطرف الثاني للمفاوضات «المفترضة»، ألا وهو بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي، الذي طالما اعتمد نجاحه السياسي علي كونه الأكثر تشددا من جميع الزعماء الإسرائيليين، لدرجة أن «إيهود باراك» بدا إلي جانبه في أحيان كثيرة كحمامة سلام ! حتي أن الإعلام العربي تمني في نهاية التسعينيات وصول باراك وحزبه «العمل» إلي السلطة بدلا من «ليكود نتنياهو» المتشدد، وصل باراك فعلا إلي السلطة ولم يتحقق السلام لكنه علي الأقل انسحب من جنوب لبنان وهو مالم يكن نتنياهو ليفعله قطعا، علي كل حال فقد كفر باراك عن «خطيئته» وعوض انسحابه من لبنان بارتكابه جرائم حرب خلال العدوان علي غزة الذي كان ولا يزال يشغل خلاله منصب وزير الدفاع خلفا لعمير بيرتس الذي أطاحه فشل حرب لبنان 2006. يفترض إذن بمحمود عباس أن يواجه خلال المفاوضات المباشرة بنيامين نتنياهو الذي أفشل من قبل مفاوضات «واي ريفر» التي كان طرفها الفلسطيني الزعيم التاريخي المخضرم ياسر عرفات، كانت لعرفات شعبيته الهائلة وكان نفوذه في مختلف أراضي السلطة الفلسطينية ومخيمات اللاجئين نفوذا كبيرا وملموسا، مع ذلك فإن فترة نتنياهو في رئاسة الوزراء من «1996 1999» كانت الأقل تقدما علي أي صعيد، حتي مقارنة بفترات سفاحين مثل اسحق رابين «اتفاقية أوسلو» وإيهود باراك «انسحب من لبنان وبدأت التفاوض مع السوريين»، بل حتي مقارنة بالسفاح الأخطر «إرييل شارون» الذي انسحب من غزة عام 2005، وهو إجراء لا يمكن مرة أخري تصور أن نتنياهو كان سيقدم عليه بناء علي ما سبق يمكن ملاحظة دلالات «الضغوط» التي يتعرض لها الآن الرئيس الفلسطيني لاستئناف المفاوضات مع رئيس الوزراء الإسرائيلي الأكثر تطرفا، دلالات تنبع أولا من طبيعة الضغوط التي يتم الكشف عنها بالتدريج، فبالتزامن مع قرار لجنة المتابعة التابعة للجامعة العربية يوم الخميس 29 يوليو الماضي «الموافقة» علي إجراء مفاوضات مباشرة بين إسرائيل والفلسطينيين، وقرارها بأن يترك لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أن يحدد موعد بدئها «وكأن بيده الحل والعقد»، بالتزامن مع ذلك تكشف مصادر فلسطينية عن رسالة تهديد أو ضغط أمريكية من الرئيس أوباما «المعتدل» إلي الرئيس الفلسطيني «المعتدل أيضًا يطالبه فيها باستئناف المفاوضات غير المشروطة مع الحكومة الإسرائيلية، وعلي الرغم من أن الخارجية الأمريكية نفت لاحقًا أن تكون قد هددت الإدارة الفلسطينية، ووصفتها بأنها» تصل حدود اللامعقول، فنحن نشجع ولا نهدد» ونشرت صحيفة هاآرتس الإسرائيلية عن مصدر في البيت الأبيض قوله إن تلك» ادعاءات غير صحيحة»، إلا أن نص رسالة الرئيس الأمريكي المكونة من 16 بندا كان حقيقة يصعب دحضها، بعد أن سربتها مصادر فلسطينية إلي وسائل إعلامية أهمها صحيفة الحياة، الرسالة التي وصلت الرئيس الفلسطيني طبقا للمصادر والصحيفة اللندنية في السابع عشر من يوليه الماضي، جاءت حاسمة في نبرتها إذ جاء في البند الأول من الرسالة أنه «آن أوان التوجه إلي المفاوضات المباشرة مع إسرائيل»، وفي البند الثاني أن «رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أصبح جاهزاً للانتقال إلي المفاوضات المباشرة في أعقاب اللقاء الذي عقده معه أوباما أخيرا»، وقال البند الثالث أن «أوباما لن يقبل إطلاقاً رفض اقتراحه الانتقال إلي المفاوضات المباشرة، وأنه ستكون هناك تبعات لهذا الرفض تتمثل في انعدام الثقة في الرئيس عباس والجانب الفلسطيني، ما يعني تبعات أخري علي العلاقات الأمريكية الفلسطينية»، فضلاً عن أن «أوباما (البند الرابع) لن يقبل بالتوجه إلي الأممالمتحدة، بديلاً عن الانتقال إلي المفاوضات المباشرة»، ما يعني رفض اقتراح الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسي الطلب من مجلس الأمن تحديد مرجعية للمفاوضات علي أساس العودة إلي حدود ما قبل الرابع من حزيران عام 1967 في حال رفض نتنياهو الاحتكام لهذه المرجعية، وأوضحت المصادر أن البند الخامس أشار إلي أن «أوباما والإدارة الأمريكية سيعملان علي إقناع الدول العربية علي المساعدة في اتخاذ قرار بالتوجه إلي المفاوضات المباشرة»، وهو الأمر الذي تم بسهولة ويسر خلال اجتماع لجنة المتابعة العربية في اجتماعها الذي عقدته في مقر الجامعة العربية في القاهرة، علاوة علي أن «أوباما (البند 6) سيسعي إلي الحصول علي دعم الاتحاد الأوروبي والاتحاد الروسي للانتقال إلي هذه المفاوضات»، ووفقا «للحياة» فقد جاء في البند السابع من الرسالة أن «أوباما وهو الرئيس الأمريكي الأكثر التزاماً في إقامة الدولة الفلسطينية، سيساعد الفلسطينيين علي إقامتها في حال توجهوا إلي المفاوضات المباشرة بناء علي طلبه»، لكنه (البند الثامن) «لن يقدم أي مساعدة في حال الرفض»، وفي البند التاسع، جاء أن «الإدارة الحالية تمكنت من خفض وتيرة الاستيطان في مدينة القدسالشرقيةالمحتلة والضفة الغربية خلال السنوات الثلاث الماضية أكثر من أي وقت مضي»، كما جاء في البند العاشر أنه «في حال توجهتم للمفاوضات المباشرة، ستمدد الإدارة تجميد الاستيطان، وفي حال الرفض ستكون مساعدتها في هذا الشأن محدودة جداً» أما البند الحادي عشر فقال إن «الإدارة تتوقع أن تتعامل المفاوضات مع الأراضي المحتلة عام 1967، وأن المفاوضات ستشمل القدسالشرقية وغور الأردن والبحر الميت وقطاع غزة والأراضي الحرام»، ويضيف البند الثاني عشر أن «أوباما يتوقع أن تبدأ المفاوضات المباشرة مطلع الشهر المقبل»، وفي البند 13، يري أن «الوقت وقت الانتقال إلي المفاوضات المباشرة، وليس التردد، بل وقت الشجاعة والقيادة، ويتوقع رد الرئيس عباس الإيجابي». وفي البند 14 تتحدث الرسالة عن أن «الإدارة الأمريكية ستستمر في اعتبار أي عمل قد يسهم في هدم الثقة عملاً استفزازياً سيتحمل الطرف الذي يرتكبه مسئوليته»، أما البندان الأخيران في الرسالة (15 و16)، فيتعلقان بالحكومة الإسرائيلية والتزاماتها، إذ تري الإدارة أن طلب الرئيس عباس «رفع الحصار عن قطاع غزة قد تحقق بشكل كبير»، إضافة إلي أن الحكومة الإسرائيلية «ستتخذ مجموعة من خطوات بناء الثقة في المستقبل». لا يمكن حصر الدلالات والمفارقات في البنود السالفة الذكر، لكن نظرة إلي البند الثاني عشر «يتوقع أوباما أن تبدأ المفاوضات مطلع الشهر المقبل «(أي أغسطس الجاري)، توضح أن توقيت قرار لجنة المتابعة العربية ليس مصادفة، وأن رسالة أوباما لعباس لم تكن سرية تماما، وأن الممانعة التي يبديها عباس، واللغة التي استخدمها قرار اللجنة من حيث «ترك توقيت بداية المفاوضات لرئيس السلطة الفلسطينية»، هي مجرد وسائل استهلاك إعلامي، فالمفاوضات ستبدأ بلا شك، وستبدأ قريبًا، ومع نتنياهو الذي لا يبدو متأثرا بما يسمي»الضغط «الأمريكي، فأقصي ما تعد به بنود أوباما هو «تمديد تجميد بناء الاستيطان «، هذا الوعد الطفيف، المشكوك فيه، هو ما تعرضه الإدارة الأمريكية لبدء مفاوضات غير مباشرة، أي مفاوضات لا تكترث بخيط التفاوض الطويل والمرهق منذ أوسلو إلي أنابوليس مرورا بواي ريفر وخارطة الطريق وغيرها من المحطات المرهقة، بناء علي رسالة أوباما وقرار لجنة متابعة مبادرة السلام العربية فإن علي عباس أن يبدأ مرة أخري من الصفر وليس حتي من عند النقطة التي توقفت عندها آخر مفاوضات مباشرة في ديسمبر 2008، ليس غريبا إذن أن يكون ترحيب نتنياهو بالقرار فوريا، وأن يعلن البيان الذي أصدره مكتبه الاستعداد بالبدء في مفاوضات مباشرة وصريحة خلال أيام قليلة.علي كل حال، فإن المفاوضات المباشرة هي التي تتضمن تفاوضا بين الطرفين دون شراكة طرف ثالث، ومن ثم فالمفاوضات المقبلة هي الثالثة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، بعد مفاوضات أوسلو 1993، ومفاوضات أنابوليس 2007، الأولي أفضت إلي اتفاق غزة أريحا والحكم الذاتي الفلسطيني، الثانية تعطلت مابين إيهود أولمرت ومحمود عباس، هل تكون الثالثة الأوفر حظا؟ مطالب الفلسطينيين معروفة، القدس واللاجئين والمياه وحدود 1967، لكنها لم تبد يومًا أبعد مما هي الآن، فلم نعد في أيام عرفات ومنظمة التحرير الفلسطينية، الوضع العربي أسوأ والفلسطينيون يزدادون انقساما، مع ذلك فإن رسالة أوباما يمكن اعتبارها أول ضمانات أمريكية «مكتوبة»، وفي ذلك شعاع شحيح من الضوء.