«ألعاب نارية.. وأعلام ترفرف فى الهواء.. صيحات مدوية هزت أرجاء وسط العاصمة.. رقص وإنشاد بمنتخب الفراعنة» هذا هو المشهد الذى ظلت عليه شوارع وسط العاصمة منذ لحظة انتهاء مباراة مصر والجزائر وحتى الساعات الأولى من صباح اليوم التالى للمباراة. فرحة الجماهير بفوز المنتخب على نظيره الجزائرى بأربعة أهداف مقابل لا شىء، لم تكن فرحة بفوز منتخبنا الوطنى فى مباراة كرة قدم، بقدر ما هى فرحة رد الاعتبار والكرامة لجميع المصريين، حسب ما أكده البعض، فالجميع حرص على متابعة المباراة عن كثب، وهو ما بدا لنا من خلو الشوارع الرئيسية فى وسط البلد من المارة، وتحول جميع السيارات من ميكروباص وملاكى ومركبات نقل عام إلى سيارات سباق، تسابق قائدوها مع الزمن فى الدقائق الأخيرة قبل بدء المباراة كى يتمكنوا من الوصول لمنازلهم أو أى شاشة يستطيعون من خلالها متابعة المباراة منذ اللحظة الأولى لبدئها. وفى منطقة «السبتية» تخلت المنطقة عن طابعها الشعبى المعروف عنها، وسادت شوارعها حالة من الهدوء والسكون التام قبل بدء المباراة بنحو نصف الساعة، حيث انشغل سكانها فى ضبط وتأمين وصلات الكهرباء الموصلة بشاشات التليفزيون، التى التفوا حولها فى بعض المحال التجارية، بسبب ارتفاع تكلفة الجلوس على المقاهى، وعلى مدار 45 دقيقة هى مدة أحداث الشوط الأول من المباراة تعانقت قلوب جميع قاطنى المنطقة للدعاء للمنتخب بالفوز، فالجميع جلس يترقب خطى اللاعبين، وتسارع الكرة بين الفريقين، وبمرور الوقت بدأت صيحات التشجيع للمنتخب المصرى تعلو، منتقدين تكرار هجوم لاعبى المنتخب الجزائرى للفريق القومى، وصاح صوت أحد الجالسين قائلاً: «هما جايين يلعبوا ولا يضربوا»، وكلما اقتربت الكرة من المرمى الجزائرى انتفض الجالسون من فوق الكراسى، وتقدموا نحو شاشة التليفزيون، وكأنهم يؤهلون أنفسهم وأجسادهم للفرحة بالفوز، لكنهم سرعان ما يصابون بالإحباط مع كل كرة ضائعة، خاصة هدف اللاعب عماد متعب الضائع، وقتها تعالت صيحات العتاب، تراجع معها الجميع للخلف، ويسيطر الهدوء مرة أخرى على الحضور، وببراءة الطفولة صاح أحد الأطفال من بينهم «ما يجيش منك ده يا متعب»، ومع طرد الحكم للاعب الجزائرى أخذ الحضور يتبادلون فى أحاديث جانبية إعجابهم بإدارة الحكم للمباراة، وزاد إعجابهم به عندما منح الحكم المنتخب المصرى ضربة جزاء لعبها حسنى عبدربه وأحرز هدف المنتخب الأول، وهنا قفز الجالسون من فوق الكراسى لأعلى كل حسب طاقته، ثم تبادلوا الأحضان والقبلات، وهم يصيحون «الله أكبر.. الله أكبر أيوه كده يا رجالة» ثم انطلق الأطفال بأعلامهم فى شوارع المنطقة، وبادرت إحدى السيدات بإطلاق «زغرودة» قبل أن ترد عليها جارتها بواحدة مماثلة، ثم طالب أحد الجالسين الحضور بالهدوء لمتابعة المباراة، مؤكداً ضرورة أن يحرز المنتخب هدفاً آخر لأن «الجزائر ده ما لوش أمان» -على حد قوله- استرخى الحاضرون على مقاعدهم وأخذوا يراقبون أداء المنتخب الجزائرى الذى وصفوه ب«الغباء» فتكرار هجومهم غير المبرر على المنتخب فقدهم ثقة واحترام الحكم -على حد قولهم- حتى أعلن الحكم انتهاء الشوط الأول من المباراة، فأخذوا يدعون الله أن يكمل فرحتنا على خير. وفى تقاطع شارعى «طلعت حرب» و«عبدالخالق ثروت» وقف عدد من بائعى الأعلام ينشدون باسم مصر، ويروجون لبضاعتهم فى نهر الطريق، فى حين هجر عدد من الباعة المتجولين بضائعهم على الأرض، والتفوا حول شاشات العرض فى المحال والمقاهى المجاورة لهم، لمتابعة أحداث المباراة، وتشجيع المنتخب، الذى كانوا يأملون أن يحقق لهم فوزاً لا يقدر بمال. فيما أغلق مئات الشباب شارع «عبدالحميد سعيد» بعد أن خصص عدد من المحال التجارية به شاشات لعرض المباراة للجماهير، الذين تراصوا على جانبى الشارع، وبحماس الشباب لم يتوقفوا عن تشجيع المنتخب والغناء له، وبمجرد أن أحرز المنتخب هدفه الثانى، انطلقت الصافرات ووالصيحات والألعاب النارية بين صفوف الشباب، الذين شعروا بحالة من الاطمئنان تجاه الفريق فى أرض الملعب، وأخذوا يرددون الهتافات «ولسه.. ولسه، وإرقص يا حضرى، وقاعدين ليه ما تقوموا تروحوا، والله حى التالت جاى»، وتعالت تلك الصيحات كلما حصل لاعب جزائرى على كارت أحمر أو أصفر، وعلى هذه الحال استمرت الجماهير فى تشجيعها للمنتخب حتى أحرز هدفه الثالث ثم الرابع، وأعلن الحكم نهاية المباراة وفوز المنتخب المصرى، فدقت الدفوف وحمل الشباب بعضهم البعض فوق الأكتاف، ملوحين بعلم مصر فى كل اتجاه، وتسلقوا السيارات المحملة بسماعات الDJ إلى كورنيش النيل، الذى شهد فى دقائق معدودة بعد المباراة رواجاً كبيراً لبيع الأعلام والبطاطا واللب والسودانى والذرة المشوى، بعد أن كان يخلو من المارة قبل المباراة بأكثر من ساعة، الأمر الذى سبب أزمة مرورية، حاول رجال الشرطة السيطرة عليها، دون أن يعوق ذلك احتفالات الجماهير بالفوز، التى استمرت حتى صباح اليوم التالى للمباراة.