بعد عام من التحرك النشط قام خلاله جورج ميتشل، المبعوث الأمريكى للسلام فى الشرق الأوسط، بنحو اثنتى عشرة زيارة للمنطقة، غادر المبعوث الأمريكى المنطقة من دون أن يتمكن من الإعلان عن استئناف المحادثات بين إسرائيل والفلسطينيين المتوقفة منذ أكثر من عام. يستبعد الفلسطينيون حدوث تقدم يتيح استئناف المفاوضات، لأن الخلاف فى وجهات النظر مع الإدارة الأمريكية يتسع شيئاً فشيئاً، وفى آخر لقاء جمع بين ميتشل والرئيس الفلسطينى محمود عباس لم يكن فى جعبة ميتشل الكثير، إلا حث الرئيس عباس على عدم تفويت الفرصة. السلطة بالطبع تتعرض لضغوط أمريكية كبيرة لاستئناف المفاوضات ومن دون وقف تام للاستيطان، لذا فهى فى وضع لا تحسد عليه، لكنها تدرك تماماً أن نتنياهو لا يريد من بدء المفاوضات إلا غطاء سياسياً لمواصلة ممارساته التعسفية فى القدس، واستكمال بناء المستوطنات لهضم ما تبقى من أراضى الضفة الغربية، فضلاً عن أن الإدارة الأمريكية لا تضع الملف الفلسطينى على سلم أولوياتها ولا تمارس الضغط الكافى على إسرائيل من أجل دفع عملية السلام إلى الأمام. جاء ميتشل والمقترحات المطروحة حالياً ومن بينها عدم عودة الجانبين الفلسطينى والإسرائيلى إلى طاولة المفاوضات، بحيث تستمر الإدارة الأمريكية بالتنقل بين الجانبين لنقل وجهات النظر حول نقاط الخلاف، غير أن تلك الأفكار لم تتحول إلى أطروحات جدية، لكنها تعبر بشكل أو بآخر عن عمق الأزمة القائمة، فقد بات جلياً أن عودة الطرفين إلى التفاوض حالياً غير واردة. رغم ذلك، فإن الحكومة الإسرائيلية متفائلة، لكن هذا التفاؤل لا يخيم على رام الله التى ترى فى الحكومة الإسرائيلية تطرفاً لا يوحى بفرصة للسلام فى المدى المنظور غير أن الإسرائيليين يعتقدون أن أبومازن يضع شروطاً غير مسبوقة لاستئناف عملية السلام، معتبرين أن الفلسطينيين تسلقوا شجرة عالية، ويتعين عليهم الآن إيجاد الطريق الملائم للنزول منها. معروف تماماً أن ما يمنع استئناف المفاوضات هو الشروط التى يضعها نتنياهو بإصراره على استمرار الاستيطان، واستثناء القدس، وإصراره على عدم استئناف المفاوضات من النقطة التى توقفت عندها، وإصراره على شروطه المتعلقة بالحصول على نتائج المفاوضات قبل أن تبدأ. ورداً على الطرح الإسرائيلى هذا الذى استبق به زيارة ميتشل كررت السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير رفضها المطلق بأن تكون الدولة الفلسطينية منقوصة السيادة، وأنها لن تقبل بوجود جندى واحد غير فلسطينى على أراضيها. اختيار نتنياهو طرح هذه الفكرة عشية قدوم ميتشل إلى البلاد لم يكن صدفة، بل اعتبره البعض صفعة لميتشل وجهوده لتحريك المسار التفاوضى وحتى لرئيسه باراك أوباما الذى يفقد من شعبيته المزيد والمزيد كل يوم، وفى المقابل نتنياهو يشعر بتعاظم قوته الآن بعد الصفعة التى تلقاها أوباما فى الانتخابات على مقعد ماساتشوستس فى مجلس الشيوخ، وهو يعتبر كل ضعف لأوباما قوة له ويزيد من ثقته بنفسه. الموقف السياسى فى إسرائيل والأراضى الفلسطينية يجعل من الصعب على كلا الطرفين خوض جولة مفاوضات جديدة، وكما ترى السلطة الفلسطينية استحالة تحقيق السلام فى ظل وجود حكومة متطرفة، فإن اعتقاداً سائداً لدى سياسيين إسرائيليين رغم نفى ذلك بأن استئناف المفاوضات يبدو حالياً شبه مستحيل؟! والإدارة الأمريكية تعترف أنها لم تحقق الاختراق الذى كانت تريده وتطمح إليه، فلو شعرت بمثل هذه المشاكل من الجانبين فى وقت مبكر لما رفعت سقف التوقعات!!