أرجو ألا يتخيل اللواء مراد موافى، محافظ شمال سيناء، أننى فقدت عقلى أو اتزانى لأننى، وسط هذه المحنة الموجعة والقاسية بسبب السيول المدمرة التى اجتاحت مدينة العريش، إن طلبت منه الآن تحديدا أن يذهب منفردا ويقف صامتا ومتأملا القرية الأوليمبية فى العريش والتى انهار كثير من مبانيها وتشققت جدران منشآتها وتحطمت ملاعبها بسبب السيول.. ولو طاوعنى الرجل.. ووقف هناك بهدوء ووقار دون صخب أو حرس أو زفة منافقين وأفاكين.. فسيكتشف أن معظم هموم العريش وأوجاعها، هى ومصر كلها، تكمن داخل هذه القرية الرياضية المحطمة شبه المنهارة.. وإذا سمح لى محافظ شمال سيناء بمساعدته، فسأبدأ بالتأكيد على أن المحافظ السابق، اللواء محمد عبد الفضيل شوشة، أصر على بناء هذه القرية أمام مصب وادى العريش، مما يجعلها جغرافيا هى الضحية الأولى المتوقعة لأى سيل يزور المدينة أو يغضب عليها.. والأغرب أن وزارة الرى سبق أن حذرت من خطورة بناء القرية الرياضية فى هذا المكان لكن المحافظ السابق لم يكترث بهذه التحذيرات، وهذه هى المشكلة الأولى التى تستحق أن نتوقف أمامها كثيرا وطويلا، فكم منشأة رياضية فى مصر أقمناها دون أن ننتبه إلى أننا نبنى فى المكان الخطأ، سواء كان الخطأ هو البناء فى مواجهة السيول القاتلة، أو بنينا فى أماكن لا تربطها بالناس أى وسائل مواصلات طبيعية وحقيقية ودائمة.. أو أقمنا هذه المبانى فى مناطق لا يحتاجها الناس فى تلك المناطق.. أما المشكلة الثانية فهى تكلفة هذه القرية الرياضية.. والتى زادت على التسعين مليون جنيه مرة واحدة.. وأنا واثق تماما من أننى لن أجد أحدا يشرح لى أو لعموم الناس لماذا ننفق تسعين مليون جنيه لنبنى قرية أوليمبية فى العريش.. وهى أولا ليست قرية أوليمبية على الإطلاق، ولكنها مأساة مصر الدائمة بسبب كل هؤلاء المنافقين الذين يجاملون كل قائد أو وزير أو محافظ.. فيتحول بسرعة أى سور من أسمنت إلى صرح عملاق.. وأى ملعب بجواره حمام سباحة وكافيتريا يصبح قرية أوليمبية.. حتى تعددت القرى الأوليمبية فى بلد تراه اللجنة الأوليمبية الدولية ليس مؤهلا بأى شكل لاستضافة أى دورة أوليمبية.. وحين أراد هذا البلد تنظيم كأس عالم حقيقى للكبار لم تتحرج الفيفا من أن تمنحه صفرا كبيرا ومخزيا.. وأعود إلى التسعين مليون جنيه.. ولا أعترض على المبلغ وإنما أعترض فقط على توظيفه.. فلاأزال أذكر يوم افتتاح حمام السباحة.. الأوليمبى أيضا، فى هذه القرية، دون أن ينتبه مسؤولونا الأفاضل إلى أن السباحة ليست من اللعبات المفضلة لأهل العريش أو للبدو بصفة عامة.. وأنه كان من الممكن توفير ساحات تناسب لعباتهم أو حياتهم.. وهو ليس حال الرياضة فقط، ولا العريش وحدها، إنما هو حال مصر كلها.. مشروعات هائلة تعشقها الحكومة وتنسى أنها لن تنفع الناس.. وما يحتاجه الناس بالفعل هو الذى سرعان ما تنساه الحكومة.. أما استاد العريش، فأنا أرجو من المحافظ فى وقفته الهادئة أن يتساءل عن أوجه استثمارنا لاستاد بهذا الشكل فى العريش، ثم أسأل أنا اللواء مراد موافى بعد كل ذلك: هل فى إمكانه حقا أن يثور على كل ذلك؟! [email protected]
