ليس لدى أى تحفظ أو رأى سلبى فى جودة وإتقان الحملة الإعلانية «وقفة مصرية» والتى تدعو إلى تنظيم وتحديد النسل بعد أن تجاوزنا الثمانين مليوناً، حيث يرجع المسؤولون أغلب أزماتنا الاقتصادية والاجتماعية إلى زيادة النسل. ولكن ما أتوقف أمامه هو تأثير هذه الحملة، وهل يمكن أن تأتى بنتائج أم أنها ستكون مثل حملة «انظر حولك» وغيرها من حملات التوعية التى لم تأت بأى نتائج ملموسة؟ وهل تكفى الحملات الإعلانية وحدها أم أننا فى حاجة إلى فهم مختلف للأزمة ودراسة المجتمعات الأخرى لنعرف كيف نجحت فى تحديد النسل؟! عندما تجاوز عدد سكان الهند خمسمائة مليون نسمة فى منتصف السبعينيات، أعلنت حكومة أنديرا غاندى إجراءات صارمة بعد أن فشلت كل الحيل التى ورد ذكرها فى كل الكتب، حسب ما قاله وزير الصحة الهندى آنذاك، وتم إنشاء معسكرات للتعقيم فى أنحاء البلاد ووفقاً لقانون جديد، فرض على الرجال الذين بقى لكل منهم 3 أطفال على قيد الحياة أن يذهبوا إلى هذه المعسكرات ليتم تعقيمهم، مع اعتقال من يرفض الانصياع إضافة إلى منع بطاقات التموين وتصاريح قيادة السيارات والعلاج فى المستشفيات، وفى خلال سنة واحدة تم تعقيم أكثر من ثمانية ملايين هندى! مع الاحتجاجات العنيفة للمواطنين لرفضهم الإجبار والعنف وتغيير المعتقدات والعادات بالقوة، تراجعت حكومة غاندى، ولايزال عدد سكان الهند يتزايد حتى يومنا هذا إلا فى إقليم واحد فى أقصى جنوب الهند يعد معجزة اجتماعية لأنه حقق ما لم يتحقق فى سائر ولايات ومدن الهند، إنه إقليم «كيرالا»، هذا الإقليم الزراعى الذى يعتمد على زراعة الأرز، الشاى، الفلفل والحبهان. فى «كيرالا» الزيادة محدودة فى عدد السكان، منضبطة، فما الذى جعل هذا الإقليم مختلفاً عن أقاليم الهند على الرغم من التشابه فى الظروف الاقتصادية والاجتماعية؟! إنه التعليم، القراءة والكتابة خاصة للنساء، ففى أواخر ثمانينيات القرن الماضى أصرت حكومة كيرالا على محو الأمية للجميع، وراح عشرات الألوف من المتطوعين بمعاونة جمعيات أهلية يتعقبون ما يزيد على 150 ألفا من الأميين، ثلثاهم من النساء، وتم محو أميتهم فى ساحات المنازل وحظائر المواشى وفى الشوارع والطرقات. بعد ثلاث سنوات أعلنت الأممالمتحدةإقليم «كيرالا» الولاية الوحيدة فى العالم التى بلغت نسبة التعليم فيها مائة فى المائة. نجح التعليم خاصة للنساء فى تنظيم النسل، وأصبح من المحرج لمواطن كيرالا أن يكون لديه أكثر من طفلين بل وواحد. لم ينجح التعقيم فى الهند، وفشلت كل حملات التوعية، فهل تنجح عندنا فى ظل وجود 17 مليون أمى، أغلبهم من النساء؟! [email protected]