يتشابه الضجيج الدعائى الذى يثيره كتّاب الحزب الوطنى ووزراء حكومته فى مواجهة الدكتور البرادعى هذه الأيام، مع الضجيج الذى تثيره الهبلة إن هى أمسكت بالطبلة، وبعضٌ نجوم هذه «الهرسة» الإعلامية يحملون ألقاباً جامعية، تعنى أن الموضوعية سبيلهم والعقلانية مذهبهم. فإن سُئلوا عن البرادعى قالوا فى تؤدة، هى خصيصة لازمة لكل من كان مسؤولا فى زماننا، إن البرادعى عاش زهرة عمره فى الخارج، فهو لا يدرى عن مشاكل مصر ولا معاناة مواطنيها، ثم تساءلوا: «كيف له أن يصبح رئيسا وهو لا يدرى معاناة شعبنا؟».. ومصدر السقم فى سؤالهم يأتى من أن هؤلاء الجناتل وأولئك القيادات قد صدعوا رؤوسنا طوال ما يزيد على ثلاثين عاما بقولهم إننا دولة مؤسسات، ثم ها هو كلام ثلث قرن يسيح فى أول اختبار، فأصبحوا وهم يرددون نشيداً سقيما يناقض نشيدهم الأول، وإذا نحن لسنا دولة مؤسسات راسخة ترسم الخطط وتضع السياسات، وإنما نحن فى زعمهم عشيرة سائبة فى البرية، يلزمنا شيخ هو أعرفنا بمشاكل الوطن ومعاناة المواطن. ومصدر الفكاهة الحارقة أنه طبقاً لمنهجهم هذا، لابد أن يكون رئيس الدولة هو أعلمنا بالكهرباء حتى نستطيع أن نقضى على مشاكل انقطاع الكهرباء، ولا بد أن يكون آكلاً للحم وليس نباتيا حتى يدرك مدى الحرمان الذى يشعره المواطن حينما يعجز عن شراء ورقة لحم يسلق شحمها ويطبخ من مرقها، ولابد أن يكون من أبوين فلاحين حتى يحل لنا مشكلة ماء النيل التى شحّت فأوشكت حرفة الزراعة أن تضيع كما ضاعت منا برامج التصنيع بفضل فتاوى حفنة من الطبالين، أكلت طموح شعبنا، وشتت أسطواته، يوم رددوا ما قاله الغازى العثمانى وزرعه فى واعيتنا من أننا دولة زراعيه لا نفهم إلا فى الفلاحة، قبل أن يبرز لهم ساكن الجنان محمد على فيبتعث البعثات وينشئ الصناعات ويؤسس جيشا وطنياً من أبناء الفلاحين. فإذا منّا المهندسون والإسطوات وأبناء الحرف، وفينا الأطباء والعلماء وقادة الجيوش، ثم ها هو الزمان يستدير فتوشك أرضنا أن تبور جفافا لأن حفنة الطبالين لن تكف عن الدق على رءوسنا حتى تتلف الزراعة بعد أن أتلفت الصناعة وباعت وحداتها وطردت أسطواتها. مشاكل مصر ومعاناة مواطنيها يا أهل الحكومة ليست سراً مخفياً يحتاج بصيرة عراف اليمامة، ولا الخروج من هذه الأزمات التى نحن فيها يحتاج حكمة شيخ القبيلة، بل إن ما نحتاجه هو مؤسسات تبحث وتضع الخطط وترسم السياسات التى تفك رهننا وتطلق إبداعات شبابنا المخنوق. والبرادعى يا جماعة الخير قد ربط ترشحه للرئاسة بقدرة الحركة الوطنية المصرية على فرض ضمانات تكفل نزاهة الانتخابات، وعلى إزالة التشوهات التى طالت مواد الدستور.. وإلا فما معنى أن يدعو الشعب لانتخابات سئم من فظاظة تزويرها، ولو كان الرجل طالب وجاهة إعلامية، كما زعم أنس الفقى، فقد كان يكفيه الانضمام إلى أحد الأحزاب ليفلت من الخيّه التى رسمها ما يسمى الدستور المصرى، ولكنه شاء أن يستند إلى حركة وطنية، آن لها أن تختبر قوتها، وأن تضع على دكة الحكم من يختاره الناس رئيسا لهم. [email protected]