كل سنة وأنتم طيبين.. بدأ الشهر الفضيل.. شهر رمضان الذى أنزل فيه قرآن المسلمين ليحملونه للعالم كله.. شهر الصوم والعبادة وذكر الله والعتق من النار وسلسلة الشياطين.. شهر المسلسلات وبرامج المقالب والحكايات القديمة عند المصريين.. وشهر الجدل والفلكلور عند قبيلة كرة القدم.. فما أن يقترب منا الشهر الفضيل كل عام حتى نشهد هذا الجدل الذى لا يتغير أبداً عاماً بعد عام.. هل يجوز إفطار لاعبى الكرة فى نهارات الشهر الفضيل أم لا؟!.. ولو كان الذين يتجادلون هم مسلمون عاديون مثلى ومثلك لكان الأمر هيناً وسهلاً وعابراً.. أما أن يتجادل الشيوخ والفقهاء وكل منهم مزود بجبة وقفطان ومصحف شريف ومجلدات سيرة وفقه وشريعة.. وتبقى أمة بحالها.. بعلمائها وفقهائها.. عاجزة كل هذه السنين عن حسم مثل هذا الأمر.. فهذا هو الذى يستحق التوقف والاهتمام والانزعاج أيضا.. فالشيخ عبدالمعطى بيومى على سبيل المثال قال إن الله سبحانه وتعالى إذا كان قد أجاز الإفطار للمسافر الذى قد يكون مسافراً للترفيه فما بالنا بلاعب الكرة وهو يؤدى مهمة قومية.. بالطبع لابد أن يفطر ثم يقضى صيام الأيام التى أفطرها لاحقاً.. وعلى الناحية الأخرى يقول الدكتور عبدالله النجار، عضو مجمع البحوث الإسلامية، إنه لا يجوز شرعاً إفطار اللاعبين فى رمضان وفقهياً يبقى الصيام مقدما على لعب الكرة.. وفجأة قال شيخ الأزهر أنه من الممكن الفتوى بإجازة إفطار اللاعبين فى رمضان.. وبسرعة التفت الاتحاد الألمانى لكرة القدم لهذه الفتوى واستند إليها وأرسلها للمجلس المركزى للمسلمين فى ألمانيا يسأله عن الرأى والقرار.. فوافق المجلس المركزى.. وبالتالى قرر الاتحاد الألمانى إجبار كل المسلمين المحترفين فى مختلف الأندية الألمانية على الإفطار أثناء اللعب فى رمضان.. ولست هنا أناقش الفتوى وإنما هذا الوضوح الألمانى وتلك الجدية فى التعامل مع جميع القضايا والأمور.. ليست هناك أمور معلقة وليست هناك ملفات تبقى مفتوحة فى الهواء الطلق حتى يوم القيامة.. وهو أمر لا نعرفه نحن فى مصر وفى مختلف قضايانا الدينية والحياتية والسياسية والإنسانية وحتى الدرامية أيضا.. عاجزون طول الوقت عن أى حسم أو مواجهة أو أى قرار والدفاع عنه ضد أى معارضة لأننا قررنا السماح أو المنع بعد دراسة واجتهاد وحوار وفكر وبحث وتشاور.. ليس هذا هو أسلوبنا.. نحن لا نحب الخطوط المستقيمة ولا الألوان الواضحة والكلمات التى لا تحتمل عشرات المعانى وتلحقها مئات المترادفات.. حتى اتحاد الكرة فى بلادنا.. لم يقم بما قام به الاتحاد الألمانى.. فلم نشهد الجبلاية قبل شهر من الآن تطلب الفتوى والمشورة وترسل أسئلة واستفسارات للأزهر ودار الإفتاء ومجمع البحوث طالبة القرار الحاسم لتلزم به اللاعبين والأندية فى مصر.. اكتفت الجبلاية بقرار إقامة كل مباريات الممتاز بعد صلاة المغرب وتأجيل أى مباريات خارج الدورى الممتاز إلى ما بعد رمضان.. هذا هو الحل الذى يناسبنا فى مصر.. الالتفاف حول المشكلة والهرب منها وتأجيل أو إلغاء مواجهتها.. وكنت أتمنى أن يصل فقهاؤنا إلى حسم لقضية كل سنة.. إفطار جائز أو فريضة لن تلغيها كرة القدم.. وربما كان اللاعبون وحدهم هم الأصدق مع أنفسهم والأكثر حسماً ووضوحاً.. فقد رفضوا الإفطار تحت أى ظرف.. مثلهم مثل معظم النجوم المسلمين فى أوروبا والذين سيجبرون الاتحاد الألمانى على إلغاء قراره تماماً مثلما نجح ثلاثى ريال مدريد العام الماضى فى إجبار النادى الملكى الإسبانى على التراجع والسماح لهم بالصوم مع نظام غذائى خاص. [email protected]