فوارق لا أول لها ولا آخر بين الرئيس الأمريكى الأسبق هارى ترومان وبين سمير زاهر، الرئيس الحالى لاتحاد مصر لكرة القدم، لكن الاثنين يتفقان فى شىء واحد تعرفه جيداً علوم السياسة ومصادفات الحياة.. الفرصة التاريخية.. أى الظرف الاستثنائى الذى يأتى فجأة فيقلب كل الحسابات ويغير كل القواعد.. فالرئيس ترومان تعامل معه الجميع فى بدايات حكمه باعتباره الرجل الضعيف المضطرب المتردد الذى سيبقى مجرد واجهة للإدارة، ستتيح لآخرين اللعب من وراء الستار تحقيقاً لمطامع وسعياً وراء مغانم لا حصر لها.. فجاءت الحرب العالمية الثانية ليتغير الرئيس ترومان مائة وثمانين درجة ويصبح بالفعل الرئيس، الذى يقود ويحكم ويدير كل شىء بيديه وأفكاره ورؤاه.. وقد وجد ترومان بعد هذا التحول أيضاً من يناصرونه ويسعون لدوام قوته رئيساً ومكانته كصاحب سياسة وإرادة وقرار.. ومع الفارق الكبير جداً بين البيت الأبيض وبين الجبلاية.. بين الحرب العالمية الثانية وبين حرب إصلاح الكرة المصرية.. إلا أن الفرصة التاريخية واحدة.. وزاهر يتحول الآن من مجرد واجهة إلى رئيس حقيقى.. ساعدته على ذلك عوامل كثيرة.. فالرجل أثناء محنة استبعاده أدرك أنه معظم من حوله على استعداد، لأن يبيعوه بثمن رخيص جداً.. واكتشف أنه كان يجامل كثيرين جداً بلا طائل وكان يتعامى عن فساد بعضهم وخطايا بعض آخر ولم يحفظ له أحد من الفاسدين أو الخطاة مثل هذا الجميل.. والأهم من ذلك كله أن زاهر العائد من جديد لم يكن نفسه الذى خرج من الاتحاد مطروداً.. أصبح على استعداد للتخلص حتى من خطاياه هو الشخصية.. وأدرك أنه رجل لم يبق له فى الحكم إلا عامان فقط سيجمع بعدهما كل أوراقه ليرحل بعيداً ووحيداً.. ولهذ بات الرجل مهموماً بأن يترك بعد هذين العامين ما ينشده أى رئيس قارب على الرحيل.. حسن السيرة وإصلاحاته ومشروعاته وانتصاراته التى تبقى على ألسنة الناس حتى بعدما يقوم صاحبها طائعاً أو مضطراً من فوق مقعد الرئاسة.. وإذا كان هناك فى الماضى كثيرون استخدموا زاهر كواجهة تغطى فسادهم أو خطاياهم سواء بعلم زاهر نفسه أو من وراء ظهره.. فلابد أن يكون هناك اليوم من يساند زاهر رئيساً قوياً وقادراً من أجل إصلاح حقيقى وتاريخى لمؤسسة الكرة المصرية.. لابد من مساندة الرجل على قراره بالفصل التام بين العمل الإدارى والتنفيذى والفنى مع اتحاد الكرة وبين العمل الإعلامى ليغلق هذا السيرك الكروى المصرى أبوابه.. لابد من مساندة زاهر على إتمام رؤيته لعصر جديد لرعاية الكرة المصرية لأربع سنوات مقبلة بمائة وثلاثين مليون جنيه بدلاً من ستين مليوناً فقط فى الأربعة أعوام الماضية.. وزاهر هو أول من يعلم أنه قد يدين نفسه بهذا الفارق الضخم فى الأرقام.. لكنه رجل قرر أخيراً أن يسلك الطريق الصحيح مهما كان الثمن وكانت التضحيات.. ولابد أن يكمل زاهر هذا الطريق.. لابد أن يعيد للكرة المصرية شكلها المؤسسى.. لابد أن يضع نظاماً صارماً لإدارة دورى عام باتت ميزانيته تتجاوز نصف المليار جنيه.. وأنا أتمنى لو يصرف زاهر من الآن النظر عن رغبته المؤرقة والملحة فى البقاء عضواً بمجلس الشورى بحثاً عن حصانة دائماً ما يفتش عنها خارجون على القانون فى السر والعلن.. فهذه الرغبة قد تبقى نقطة ضعف تطيح بكل أحلام زاهر لإصلاح الكرة المصرية الذى لن يكتمل إلا بصدام مؤكد مع هيئات ومؤسسات ووزارات كثيرة.. صدام لن يقوى عليه طالب وظيفة أو مصلحة أو حصانة. [email protected]