الدكتور رفيق حبيب كاتب ومفكر مصرى قبطى معروف ومرموق، لفت انتباهى بشدة وكنت وقتها مقدماً لمحاكمة عسكرية مع غيرى من قيادات الإخوان المسلمين عام 1995، وكانت أول محاكمات عسكرية للإخوان فى عهد الرئيس حسنى مبارك، وأدهشنى وجود اسمه بين المشاركين فى تأسيس حزب الوسط الذى كانت غالبية أعضائه من الإخوان المسلمين حينها، وبدأت أراجع كتاباته حيث رأيت فيه الرجل المصرى القبطى غير المتعصب الذى يقدم السبيكة الوطنية المصرية من خلال الحضارة الإسلامية، وهو يعكس واقع هذه الفسيفساء من التنوع الدينى التكاملى لا التصارعى، وتمنيت كثيرا أن تكون روح التسامح والتعايش الحضارى التى يعكسها قلمه الرشيق وعقله المتفتح وثقافته الواسعة هى مستقبل مصر التى يحملها كل مصرى مخلص لوطنه. تسارعت الأحداث ودبّ الخلاف حول الحزب بين قيادة الإخوان وقيادات الحزب، حدث على إثره أن استقالت قيادات حزب الوسط من عضوية جماعة الإخوان، وتبع ذلك بفترة ليست بالبعيدة خروج الدكتور رفيق من حزب الوسط، وكانت هذه هى المرة الثانية التى تثور فيها دهشتى من موقفه حيث إن حزب الوسط إن قدر له الوجود فهو بالنسبة للدكتور رفيق مشروع لعمل فى ظل القانون، برنامجه كان فى ظنى متطابقاً مع ما يعرضه د. رفيق من أفكار وآراء وتصورات، ولكنى عرفت بعد ذلك من قيادات حزب الوسط أن أسباب انسحاب الدكتور من الحزب هى إصرار سيادته على أن يحوى البرنامج آراء متشددة إسلاميا كانت مثار دهشة واستغراب من قادة الحزب ورفضوا التعاطى معها. بعدها عاد د. رفيق للاقتراب من قيادة الإخوان والإكثار من التردد على مقر مكتب الإرشاد والتعرف إلى أعضائه وتقديم الأفكار والملاحظات والمشورة فى حواراته معهم. تعرفت عليه من خلال تردده على المكتب، وفى الاحتفالات الإخوانية التى تشارك فيها النخب السياسية والفكرية، ولم يحدث بينى وبين سيادته حديث طوال هذه المدة حتى صيف عام 2008 بعد أن كتب أحد الزملاء الصحفيين تقريراً عن لقاء معى يحمل رأيى فى وجود مدرستين داخل جماعة الإخوان المسلمين بعدها اتصل بى د.رفيق هاتفيا لأول مرة سأل فيها عن حقيقة وجود المدرستين، وذكر لى أنه كان يشعر بذلك ولكنه كان ينتظر من يشاركه الرأى من داخل الجماعة، ثم سأل عن مدى التباين بينهما ومدى قدرتهما على التعايش من خلال حوار داخلى تستفيد الجماعة من ميزات كل منهما، وانتهزت هذه الفرصة لأقول لسيادته بصراحة وشفافية إننى أرى فى مقالاته المنشورة عن الإخوان أنه يحلل وينظّر للإخوان فى اتجاه دفعهم للتشدد والتصلب والعزلة، ومحاولة الابتعاد بالإخوان عن المساحات المشتركة مع القوى الأخرى بالمجتمع، وفى الوقت نفسه يؤيد التراخى والتساهل فى رد فعل الجماعة تجاه ما يفعله بنا النظام المتحكم الظالم، ولم أتلق من سيادته ردا. وبعد هذه المصارحة التليفونية أتقدم للقارئ الكريم ببعض الأدلة على دعواى: فى مقال لسيادته عن (الإخوان وامتصاص الصدمات) يرى سيادته أن حبس الإخوان بأعداد كبيرة ومتلاحقة من جانب الحكومة مع عدم وجود رد فعل إخوانى مفيد للجماعة، وساق أربع فوائد: 1- يؤدى إلى زيادة التعاطف الشعبى معهم. 2- ظهور جيل قيادى جديد يقوم بمهام من غُيبوا فى السجون. 3- زيادة تلاحم الصف الإخوانى. 4- كتابة تاريخ الإخوان النضالى. فى هذا المقال أراه مشجعا على الرضوخ للأمر الواقع دون التشجيع على استخدام كل أدوات ووسائل المقاومة السلمية واستنفاد جميع السبل للدفاع عن المعتقلين واستحداث الوسائل والمبادرات والآليات المبتكرة والمتجددة والمتنوعة التى ترهق النظام وتحقق أهدافاً إيجابية فى مواجهته، وتصعب عليه الانفراد بالإخوان كان سيادته من أشد المؤيدين أن يُذكر فى برنامج الإخوان المسلمين موضوع هيئة العلماء، وعدم جواز ترشح المرأة وغير المسلم لرئاسة الجمهورية، وهى الأمور التى تسببت فى لغط كبير وأفقدت «الإخوان» عدداً من مؤيديها وأكدت تخوف الكثيرين من وصول الإخوان إلى السلطة، كما استغلها المتربصون بها لتشويه صورتها وطمس ما حواه البرنامج من جهد كريم ومشكور. وفى مقال لسيادته يحمل التحذير من غربنة الإسلام، أى وضع الإسلام بمقاييس غربية، وأنا معه قطعا فى أن الإسلام له أصوله وقواعدة وثوابته ومبادئه التى لايصح أن تحرف أو تحور من أجل أن تتوافق مع المقاييس الغربية، ولكنى وجدته يستخدم هذه الفكرة ويتوسع فيها ليلبسها ثوب التشدد والرفض لكل ما هو غربى رغم أن الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها، رأيت فى هذا المقال ودلالاته محاولة من سيادته لصد الإسلاميين عن الاستفادة من النافع مما وصل إليه الغربيون ما لم يخالف ديننا، والنظر بريبة لكل من ينادى بالاستفادة أو يستفيد بالفعل من هذه الأمور النافعة. وفى مقال آخر يتكلم فيه عن حزب العدالة والتنمية التركى ويخلع عنه أى مسحة إسلامية حيث يختتم مقاله بقوله: «إن حزب العدالة والتنمية يسعى إلى نقل تركيا من العلمانية المتطرفة إلى العلمانية المعتدلة التى ليس فيها (أى المعتدلة) مكان لأحزاب إسلامية» وبذلك يدفع الإسلاميين إلى عدم الاستفادة من تجربة حزب العدالة التركى وينفرهم منها وينتقص من دورها وتأثيرها الإيجابى فى عالمنا العربى والإسلامى. وفى مقاله عن (الإخوان وحوار المؤسسية) يقف سيادته مدافعا عن عدم فصل مكتب الإرشاد كمكتب تنفيذى عن مجلس الشورى كهيئة رقابية، بحجة أن الجماعة ليست دولة ويشبهها بالجمعيات، وهذا تقزيم لجماعة يريدها المجتمع المصرى نموذجاً فى سلوكها لما تنادى به من مبادئ، ويرى فيها البديل الصحيح لنظام سيطرت فيه السلطة التنفيذية على السلطة الرقابية والقضائية، كما صادر على حق النقد فى حق الجماعة، واعتبره يؤدى إلى الانتقاص من الجماعة وضياع هيبتها مع أن النقد الأخلاقى الجاد البناء هو السبيل إلى تدارك الأخطاء وتحسين الأداء، ولماذا نبيح لأنفسنا نقد الآخرين ونحرمه على غيرنا؟ وأخيراً، أرى أن الدور الذى يقوم به الدكتور رفيق حبيب هو دور المُقعّد (يضع القواعد) والمحلل والمُنظّر (يقوم بالتنظير) للأفكار والآراء التى تسوّغ للإسلاميين التشدد والتصلب، وتدفع بهم إلى مزيد من العزلة. وأختم حديثى بالحكمة القائلة: (صديقك من صَدَقك لا من صَدّقك). *عضو مجلس شورى الإخوان سابقاً