ما الذى يحدث فى المجتمع، جرائم قتل غاية فى البشاعة تخلف وراءها عدداً كبيراً من الضحايا بشكل لم نكن نراه فى الماضى، فهل حدث تحول ما لطبيعة الإنسان، أم أن هناك أسباباً أخرى جعلت منحنى السلوك العدوانى يصاب بالارتفاع الجنونى. فهل صحيح أن سخرية البعض من سائق بإحدى الشركات الاقتصادية العملاقة كانت وراء قيامه باستخدام السلاح الآلى وإزهاق أرواح 8 ضحايا، وإصابة عدد مماثل لهم؟! وهل لمجرد تخلى الأب عن مساعدة ابنه فى نفقات الزواج يدفع الابن إلى ذبح الأب أثناء وجوده فى المسجد لأداء الصلاة؟! وهل مجرد نشوب خلافات عائلية بين الزوج وزوجته يدفعه للتخلص منها بطلق نارى فى رأسها؟ أتصور أن ما نصطدم به يومياً من أخبار العنف والمشاجرات والتنكيل التى تتناولها الصحف يعنى أن هناك تغييرات تحدث فى المجتمع لابد من رصدها والعمل على وقف حدتها. أين روح التسامح التى كان يتحلى بها الإنسان؟ ولماذا حالة العبوس والتجهم المسيطرة على وجوه الكثيرين؟ ولماذا أصبحنا كما نقول فى اللهجة العامية المصرية «روحنا على طرف أنوفنا»، بحيث تنشب المشاجرات ويسقط الضحايا لأسباب تافهة أو غير مبررة. فى الماضى عندما كانت تحدث حالة من حالات العنف الصارخ أو العدوان الذى يصل إلى حد القتل تكون فى أحيان كثيرة ناتجة عن مرض نفسى صريح، بل عادة ما يكون هناك تاريخ مرضى أو أعراض مرضية لدى هذا الإنسان، وليس بالضرورة أن يشوب سلوكياته العنف المستمر، ولكن تكون هناك دلائل ومؤشرات على أن هذا الإنسان قد يصدر منه تصرف غير معقول وغير منطقى وبه الكثير من العنف. ولكن الغريب، الذى يستحق الدراسة فعلاً هو العنف والقتل الصادر عن أشخاص من المفترض ومن غير المتوقع أن تصدر عنهم هذه الأفعال فما هو السبب؟ وما هى الدوافع التى قد تؤدى بإنسان إلى اتخاذ قرار مثل إزهاق روح إنسان آخر مهما كان السبب، وما هى المشاعر والأفكار التى دفعت بهذا الإنسان إلى اقتراف هذا الفعل.. لعل أبسط المواقف التى نراها فى الطريق المشاجرات التى تنشب بين البعض أثناء قيادة السيارات، خاصة فى الزحام، والتى أصبحت تتخذ أشكالاً غاية فى الغرابة وتتسم بأجواء من العنف غير المعقول، ومن أشخاص مظهرهم لا يدل على هذا الكم من العنف الموجود بداخلهم، وحتى السيدات نرى منهن من العنف والقدرة على «الخناق» والسبّ فى الطريق ما لم نعهده من قبل! فهل ثمة تغييرات حدثت فى التكوين النفسى للإنسان المصرى خلال الأعوام الأخيرة، هل تغيرت المفاهيم والقيم والعادات، وتغيرت معها المشاعر، وبالتالى حدث نوع من التغيير للسلوكيات، وكل تساؤل يحتاج إلى وقفة ونوع من التأمل والدراسة، فلماذا تتغير المفاهيم والقيم لدى إنسان، ما الذى يولد هذه المشاعر السلبية الكبيرة والكراهية والقدرة على إيذاء الآخرين. هل هذه هى الطريقة التى أصبح الإنسان يراها ملائمة للحصول على حقه فى وسط هذا الزحام، و«التوهان» و«الإحباط» و«قلة الموارد المالية». والحقيقة.. الإجابة هى «نعم»، فقد يؤدى هذا القدر الهائل من الإحباط إلى العنف كل العنف، أعتقد أن الزحام الشديد وما يترتب عليه من ضوضاء وتلوث وصعوبة فى الحركة وعدم الإحساس بالأمان وضمان الحقوق والمستلزمات الأساسية للحياة وما يترتب عليه أيضاً من ضياع للوقت وإهدار للجهد البدنى والنفسى- يؤدى مع الوقت إلى تنامى السلوك العدوانى ووقوع جرائم بشعة لأسباب تافهة ولا ترقى لمجرد الخلاف وليس لإزهاق روح إنسان!.. وهذا التكدس وضيق المساحة المتاحة للإنسان ليتحرك ويتنفس يؤديان إلى الإحباط الشديد، وبالتبعية يؤديان إلى العنف الشديد. والمشكلة الآن التى لابد أن نبحث لها عن حل هى بدء تسرب العنف إلى الصغار والأجيال الجديدة، فالكارثة الأكبر ستكون فى التغييرات التى ستلحق بسلوك الأجيال الجديدة، خاصة أن المفاهيم الخاصة بالإنسان بشكل عام تبدأ فى التكوين من عمر 7 أعوام، وما يحدث الآن يترتب عليه تغيير مفاهيم الأجيال القادمة، وزراعة مبدأ العنف والقتل، مما يعنى أن ما نعتبره الآن سلوكاً غريباً سيكون سلوكاً تقليدياً فى المستقبل. وإذا كان الزحام يؤدى إلى تنامى العدوانية بين الأفراد، فهناك عامل أبرز يؤدى إلى تغلغل هذا الأمر بين الكثيرين وهو الفقر وانعدام سبل الحياة الكريمة بين قطاع كبير من المواطنين، فالفقر يؤدى إلى الحرمان والإحباط والسخط على من يملك المال، ويتبعه دون شك تولد مشاعر عدوانية تجاه الأثرياء، أو ميسورى الحال، والاحتكاك بهم أو بممتلكاتهم، لشعورهم الدائم بالاستفزاز الشديد. وما يساعد على «توطين» السلوك العدوانى بين أرجاء المجتمع ما يحدث حالياً من انتشار أنواع جديدة وخطيرة من المخدرات بين عدد كبير من القطاعات والشرائح المجتمعية فى مصر مع انعدام التواصل والتفاهم والحوار الهادئ، بالإضافة إلى انتشار العنف- أصلاً- فى وسائل الإعلام المختلفة، والمواد الدرامية مثل المسلسلات والأفلام السينمائية، التى يكون فيها النجم «فتوة» قادراً على الحصول على ما يريد من خلال قوته وقدرته على الانتصار على الآخرين. المشكلة الكبرى أن هذه الظاهرة من الظواهر القابلة للزيادة إذا لم يتم التخطيط لوضع حلول متكاملة تتضمن علاج جميع الأسباب التى تؤدى إلى تنامى هذا العنف سواء اقتصادياً أو سياسياً أو اجتماعياً ونفسياً بطبيعة الحال، إضافة إلى الحل الشرطى والقضائى لأن العنف يولد العنف، لا أريد أن أبدو مُحبِطاً أو مُحبَطاً ولكن أريد أن أطلب من كل أسرة أو من كل فرد أن يعمل على تغيير نفسه، تغيير فكره وسلوكه، ويحاول البعد عن الضغط ويتقرب إلى الله، فلا يمكن لإنسان يتقرب إلى الله ويخشاه أن يقدم على إزهاق روح إنسان حرم الله قتلها إلا بالحق. [email protected]