أصابتنى فجيعة كبرى وأنا أقرأ أنباء حادث مرورى مأساوى حدث على كوبرى أكتوبر منذ عدة أيام، نتج عنه ثلاث ضحايا وآخران مصابان بإصابات بالغة.. وتتجلى مأساوية الحدث فى أن رجلاً كبيراً وزوجته بجانبه ومعهما زوجة الابن يقود سيارته فى هدوء والتزام، ثم يفاجأ بسيارة طائشة، يقودها شاب أرعن مُخدر، تنطلق بسرعة هائلة، لتقفز من الاتجاه المعاكس وتصطدم بسيارته فتدمرها وتقتله هو وزوجته وتصيب زوجة الابن بإصابات بالغة. بالتأكيد إن الضحيتين قد جاءهما قضاء الله وقدره فى موعده، ولا راد لقضائه سبحانه وتعالى، ولكن هل يجب أن يكون الإيمان بهذا سببا فى تخديرنا واستمرار غفلتنا وصمتنا على ما يتعرض له هذا الشعب المبتلى بإدارة فاشلة لدولته لا تفكر إلا فى نفسها وكيف تحافظ على مناصبها وامتيازاتها، وليذهب الشعب إلى الجحيم!! أيجب علينا أن نقبل هؤلاء المسؤولين عنا كقضاء الله وقدره أيضاً!! لقد ظهرت تفاصيل هذه القصة المأساوية بعد ذلك فى الصحف، واتضح أن هذا الشاب المستهتر الذى أدخل اللوعة والحزن فى قلوب عدة أسر بكاملها لبنانى الجنسية، وأنه أحد نجوم أو خريجى برنامج «ستار أكاديمى» الذى تتباهى به إحدى القنوات الفضائية العربية. ولكن أغرب ما فى الموضوع هو ما ذكرته صحيفة «الأهرام» يوم 11/7 بأن فى إحدى حلقات هذا البرنامج، سُئل هذا الشاب عن الحلم الذى يراوده أو يطارده منذ الصغر فأجاب: «الحلم الذى يراودنى منذ صغرى بصورة متكررة هو مغادرتى لأحد أماكن التنزه مع صديق لى واستقلالنا السيارة متجهين إلى مكان غير معلوم فى طريق اتجاهين والسيارات تسير فيه بسرعة شديدة، وفجأة سقطنا بشكل مفزع دون أن أدرى بأى شىء».. كانت هذه هى كلمات هذا الشاب الأرعن بنصها كما جاءت فى إحدى حلقات البرنامج منذ شهور.. هو الآن فى رحاب الله العزيز المقتدر العدل الجبار المنتقم.. حسابه وجزاؤه عنده سبحانه وتعالى.. ولكننا نحن المواطنين البؤساء على أرض هذا الوطن، نعيش تحت سطوة نظام لا يلقى بالاً للكوارث والبلايا التى تحيط بنا ليل نهار، ولا يكترث بوقوع آلاف الضحايا سنوياً جراء الفوضى العارمة فى الشوارع والطرقات وانعدام سيادة القانون والرقابة على تنفيذه. لقد كتب الصحفى المحترم الأستاذ عبدالمحسن سلامة فى عموده يوم الأربعاء 14/7 ما نصه: «فى تصورى أن عدم تطبيق القانون فى كل مناحى الحياة وعدم تربية أفراد المجتمع هما السبب الرئيسى فى شيوع مزاج العنف الحالى، فكل فرد أصبح يسن قانونه الخاص، ولا مانع من التهرب من كل القوانين طالما استطاع ذلك». وفى رأيه الذى لا يختلف عليه اثنان أن هذا هو ما أوصلنا إلى تلك الحالة الفوضوية الغريبة التى باتت تهددنا جميعا، واغتصبت منا أعز ما نملك وما كنا نفاخر به الأمم وهو الأمن والأمان فى الشوارع طوال ساعات الليل والنهار. إننى ممن يرتادون كوبرى أكتوبر مساء كل يوم تقريبا، ولا يمر يوم إلا وتصادفنى سيارة يقودها إنسان متهور منفلت، يسير بسرعة تتجاوز المائة وعشرين كم / ساعة بطريقة ثعبانية خطيرة ليتعدى بها السيارات التى أمامه، ولم أر يوما كمينا أو نقطة مرور أو ملاحظة على هذا الكوبرى ترصد مثل هذه الحالات وتبلغ عنها نقاط أخرى يمكنها توقيفها والتعامل معها بأقصى درجة من الحزم وتطبيق القانون أياً كان شخص المخالف. هناك على مدى طول الكوبرى لافتات تحدد السرعة القصوى «ستون كم / ساعة»، فهل هناك أحد يسير بهذه السرعة ويلتزم بها فى الأوقات التى لا يكون فيها المرور على الكوبرى مصاباً بالشلل الكامل وما أكثرها؟! هل يراقب أحد ما يحدث على هذا الكوبرى فى ساعات الليل المتأخرة من سباقات للسرعة والتنافس وإحداث حالات من الفزع والرعب للسائقين الملتزمين، خاصة أن الثلث الأخير من الكوبرى فى الاتجاه إلى مدينة نصر يعانى هذه الأيام من حالة إظلام تام حسب الأوامر التى تصدر سراً من وزارة الكهرباء للتوفير، والأضواء العالية للسيارات من الاتجاه المعاكس تكاد تعمى عيون السائقين؟! هل يتحتم على من تضطره ظروف السكن والعمل إلى ارتياد هذا الكوبرى أن ينطق بالشهادتين ويودع أهله كلما هم بالنزول وأن يصلى صلاة الشكر عند العودة سالما، طالما يعيش فى دولة ليست بها حكومة بالمعنى الحقيقى للكلمة؟! أليس الحل بسيطا وواضحا جليا وهو تطبيق القانون على الجميع سواسية، لا فرق بين مخالفة صغيرة أو جريمة كبيرة، ولا بين وزير أو غفير، كما هو الحال فى كل بلاد العالم التى تعرف للإنسان قدره وتحترم حكوماتها مواطنيها؟! إذن هذه هى المسألة.. مهمة مَنْ تطبيق القانون وفرض طاعته وتربية أفراد المجتمع على احترامه وتوقيره؟ أليست هى الدولة بمؤسساتها ووزاراتها وأجهزتها التنفيذية المتضخمة ومصاريفها الباهظة التى يتحملها دافعو الضرائب من أفراد الشعب خاصة الفقراء ومتوسطى الحال من الموظفين؟ هل هناك فى العالم كله مسؤولو مرور وأمن طرق يذهبون للنوم عند منتصف الليل ويتركون الكبارى والشوارع بإشاراتها وميادينها يسود فيها قانون الغاب والبلطجة، ويتركون بضعة أفراد مجندين لا حول لهم ولا قوة لا يدرون ما يفعلون.. فى الوقت الذى فيه هناك رجال أمن كبار يسهرون ويتابعون ويتنصتون طوال الليل والنهار لحماية أمن الفراعين الكبار والصغار بالنظام الحاكم وأهله وسدنته؟! هل كُتب علينا فعلاً أن نقبل بهذا النظام المستهتر بأرواح أبنائه والمتدهور فى أداء عمله على أنه قضاء الله وقدره؟! إذا كان الأمر كذلك فإننا يارب نسألك رد القضاء لا مجرد اللطف فيه، وأن ترفع مقتك وغضبك عنا.. ولا حول ولا قوة إلا بالله.