انتهت مباريات كأس العالم المقامة فى جنوب أفريقيا عام 2010، وأصبح الفيفا يمكنه التصفيق بيديه احتفالا بالنصر مقدما، لأن أموالا ضخمة ومرضية دخلت خزينته إذ قدرت عائداته فقط من خلال حقوق النقل التليفزيونى والشركات الراعية بأكثر من 3 مليارات دولار أمريكى لتصبح بذلك هذه الدورة لكأس العالم الأكثر ربحية للفيفا فى التاريخ. لكن تبقى هناك جهة مظلمة للبيانات الاقتصادية، فجنوب أفريقيا البلد المضيف لنهائيات كأس العالم استثمر نحو 4.3 مليار دولار أمريكى أى ما يعادل 1.72٪ من ناتجها المحلى الإجمالى مما سجل رقماً قياسياً بالاستثمار الأعلى فى تاريخ دورات كأس العالم، وهذا المبلغ الاستثمار يساوى 11 ضعف التكلفة الإجمالية التى توقعتها جنوب أفريقيا فى خطتها لاستضافة كأس العالم قبل ست سنوات وعليه تثير تلك التكلفة الضخمة لاستضافة كأس العالم وبناء سلسلة من المشاريع المتعلقة سؤالا مشروعا لدى عموم شعب جنوب أفريقيا: إذا كان الفيفا وهذه الشركات الراعية قد كسبت أموالاً ضخمة من كأس العالم، فماذا كسبت جنوب أفريقيا بالمقابل؟! تقول صحيفة (الشعب) الصينية الرسمية: على الرغم من ادعاء الأطراف المختلفة بأن جنوب أفريقيا ستستفيد من نهائيات كأس العالم فى حفز النمو الاقتصادى شأنها فى ذلك شأن عموم القارة السمراء التى استضافت هذا العرس الكروى للمرة الأولى فى تاريخها، وعلى الرغم من تأكيدات الفيفا بأن الأفق الاقتصادى الأفريقى بعد استضافة كأس العالم سيكون مشرقاً وواعداً إلا أن الواقع ينم عن غير ذلك. فسكان جنوب أفريقيا يشعرون بخيبة أمل للغاية لأن معدل البطالة لايزال مرتفعا، ولم يحدث تحسن ملموس فى النمو الاقتصادى، وقد نشر العديد من وسائل الإعلام فى جنوب أفريقيا مقالات وتقارير تنتقد فيها سلوك الفيفا وتصفه بالحكم الاستعمارى والاحتيال فى العصر الحديث بكرة القدم، ولعل الجميع شاهد بعينيه اللافتات التى رفرفت عاليا فى مواكب المتظاهرين الذين أضربوا عن العمل خلال كأس العالم، وقد كتبت عليها عبارة «بلاتر هو المافيا». ومضت (الشعب) تقول: إن بناء ملعب جرين بوينت الذى يقع فى مدينة كيب تاون ويستوعب 65 ألف مشاهد قد تكلف نحو 582 مليون دولار أمريكى لكن اتضح لاحقاً إن هذه التكلفة الضخمة لم تكن ضرورية لأن الملاعب المحلية الأصلية ستصبح صالحة لمباراة نصف النهائى حال زودت ببضع صفوف إضافية علاوة على ذلك يمكن لملعب دربان الذى يتسع لنحو 70 ألف شخص ووصلت تكلفة بنائه إلى 380 مليون دولار أمريكى ويبدو مظهره العام الخارجى أكثر من رائع حتى يطلق عليه «الحقيقة اليدوية لسكان الفضاء».. لكنه فى الحقيقة المجردة لا يترك لدى المشاهد المتفحص سوى انطباع واحد لا يتعلق بجماله بل بالفقر والتخلف للمنطقة المحيطة به، وهى منطقة ينقصها كل اللوازم لمدينة حديثة مثل المياه، الكهرباء، الرعاية الطبية، المساكن، المدارس، وسائل النقل، أنابيب صرف المياه، وحال قارن المرء بين حجم التجاوزات المدهشة فى ميزانية بناء الملعب، والفوضى العارمة خارجه سيشعر بأن غضب وسائل الإعلام فى جنوب أفريقيا منطقى ومبرر. من جهة أخرى ووفقاً للإحصاءات الرسمية فإن نحو 456 ألف سائح أجنبى زاروا جنوب أفريقيا فى النصف الأول من يونيو، وهذا يقل كثيرا عن المليون زائر الذى توقعته جنوب أفريقيا، ويعزى ذلك لأسباب كثيرة من بينها المخاوف الأمنية والاختناقات المرورية وسوء الطقس، وخلصت صحيفة «الشعب» الصينية إلى القول إنه إذا كان الفيفا هو الرابح الأكبر من كأس العالم 2010، فإن الأمر يبدو مغايرا تماما بالنسبة للبلد المضيف وسكانه، وبصرف النظر عن الوعود والآمال والتوقعات بالتأثيرات الإيجابية التى ستخلفها استضافة جنوب أفريقيا لهذا الحدث الكبير «فى المستقبل البعيد» على الشعب والاقتصاد والسياحة تبقى أولى المشكلات التى يتعين مواجهتها «فى المستقبل القريب» تتمثل فى كيفية إدارة وصيانة واستغلال 10 ملاعب حديثة لكرة القدم، تكلف تشييدها مئات الملايين من الدولارات، لكنها ستصبح فى حالة شبه الركود بعد كأس العالم، وقد تتحول إلى ديون ضخمة تراكمية على خزينة الدولة، تضيف إليها عجزاً سنوياً يقدر بما لا يقل عن عشرات الملايين من «راند» العملة المحلية.