تتعجب عندما تجد قيادات فى الحزب الوطنى وأعضاء ذوى نفوذ فى مجلس الشعب عن الحزب الحاكم، ومسؤولين كباراً فى الدولة، يتحدثون عن تداخل المصالح الخاصة للوزراء والمسؤولين مع المصالح العامة، ويطالبون بقواعد وقوانين لتنظيم العلاقة بين الجانبين، وضبط عمليات البيع والشراء بين الحكومة والشركات المملوكة للوزراء والمسؤولين. تسمع أحمد عز، وهو أمين التنظيم فى الحزب الحاكم، ورئيس لجنة الخطة والموازنة فى مجلس الشعب، والرجل الذى يتحكم بنظراته فى الموافقة على التشريعات وتمريرها، وفى رفضها، يقول ذلك ويطالب مثلما يطالب قليلو الحيلة من أمثالنا الذين لا يمتلكون قراراً، ويدعو إلى قواعد مستقرة مثل التى فى جميع دول العالم المتحضر للفصل بين المصالح الخاصة للوزير والمسؤول، وبين موقعه الرسمى فى الدولة أو البرلمان. وتسمع المهندس أحمد المغربى، وزير الإسكان ورجل الأعمال أيضاً، يقول الكلام ذاته، ومثله زهير جرانة، وزير السياحة، ود. حاتم الجبلى، وزير الصحة، ورشيد محمد رشيد، وزير التجارة والصناعة، ومحمد أبوالعينين، رئيس لجنة الصناعة والطاقة فى مجلس الشعب، وجميعهم من رجال الأعمال وأصحاب الشركات أو المساهمين فيها، الذين يبيعون للدولة ويشترون منها، وفوق كل هؤلاء تجد الدكتور أحمد نظيف، رئيس الوزراء، يقول خطاباً مماثلاً، ويدعو مثل الآخرين إلى قواعد شفافة وقوانين واضحة لضبط هذه العلاقات. والحقيقة أن إقرار ذلك يكفل عدة ضمانات أساسية، أهمها مكافحة أى محاولات لاستغلال النفوذ لتحقيق مصالح خاصة، وضمان أن تتم هذه المعاملات عند وجوبها بشفافية مطلقة وإتاحة كاملة تسمح للرأى العام أن يطلع على تفاصيلها ويتأكد من تماشيها مع القواعد العامة، كذلك ضمان تكافؤ الفرص والمساواة بين الشركات فيما يخص المعاملات التجارية مع الحكومة، إلى جانب حماية المسؤولين والوزراء من رجال الأعمال من أن يلوك أحد سمعتهم بشر، أو ينظر إليهم الرأى العام نظرة سيئة باعتبارهم مستغلين وذوى نفوس ضعيفة. إذا كان ذلك كذلك، ولا أحد فى الدولة يعارض صدور تشريع ينظم بحزم هذه العلاقة، بل تجد أن الجميع يدعو لإقرار هذه القواعد وتفعيلها، فلماذا لا يحدث ذلك إذن، أم أن الحكومة والحزب ورجال أعمالهما، يستخدمون هذا الحديث المتصالح والموضوعى جداً للاستهلاك المحلى، وتخفيف الاحتقان كلما تفجرت قضية ذات علاقة مباشرة بتداخل المصالح بين الحكومة ووزرائها من رجال الأعمال، لماذا يطالب صُناع القرار بإجراءات لتنظيم العلاقة مثلما يطالب رجل الشارع، وتطالب المعارضة التى لا تملك قرار تحويل قناعاتها إلى قرارات، إذا كان أصحاب السلطة يطالبون، فماذا نفعل نحن، وإلى من يوجهون مطالبهم وهم من يملكون القرار؟ منذ تشكلت حكومة نظيف وبين أعضائها رجال أعمال واضحون ومعلنون و«غير مستترين»، وهذا الحديث يطرح فى كل منتدى وعلى جميع المستويات سواء فى المعارضة أو داخل مؤسسات الدولة والحزب الحاكم، أو فى الشارع، لكن لا أحد يفعل شيئاً، لا أحمد عز يستخدم نفوذه الحزبى والتشريعى للتقدم بمشروع قانون لتنظيم هذه العلاقة التى أصبح من الصعب تجاهلها، ولا الحكومة التى تطالب تتحرك لتحويل مطالباتها إلى واقع، ولو حدث ذلك قبل خمس سنوات لما سمعنا عن قضايا جزيرة آمون وأرض التحرير، وحكاية عقود البيع التى حررها الوزير المغربى بنفسه لنفسه فى منزله، أو لسمعنا عن كل ذلك بشكل مختلف وشفاف وفيه اعتبار لحقوق الجميع...! [email protected]