لا تعوقه الإضاءة الخافتة للحجرة أو عدم جودة إشارة البث الخاصة بالتليفزيون أثناء المباراة لأنه لا ينظر إلى الشاشة، يجلس محمود عبدالرازق– 21 عاما – بين جدران إذاعة راديو حريتنا على الإنترنت مع أفراد الاستوديو التحليلى لمباريات كأس العالم ليعلق على أحداث المباراة بشغف كبير وحفظ كامل لأسماء كل اللاعبين على اختلاف النادى الذى ينتمون إليه، لا تختلف تحليلاته كثيرا عن النقاط التى يثيرها أى محلل رياضى محترف.. الاختلاف الوحيد أن محمود كفيف البصر ولم يشاهد أى مباراة كروية منذ مولده. فقد محمود بصره بعد أيام قليلة من ولادته بسبب خطأ طبى أدى إلى حرق كامل بالشبكية، ومن وقتها وحتى الآن يثق محمود فى حواسه الداخلية وقدرته على التخيل بدرجة أكبر مما يثق فى حواسه الخارجية الحسية، يعتبر نفسه أول محلل رياضى كفيف فى مصر، بل وربما يكون فى العالم أسره، ويتساءل ساخرا: «إزاى واحد ما شافش الماتش يقدر يعلق عليه ويحلله». «مارودنا أخطأ فى تشكيلة الفريق أمام مباراة ألمانيا».. يحلل محمود المباراة التى جمعت الفريقين الكبيرين منذ أيام، ويستخدم فى حديثه أكثر ما يستخدم الأفعال البصرية، فلا تخلو جمله من أفعال مثل «رأيت الهجمة الأخرانية، وشفت الكورة اتشاطت إزاى»، بدأ عشقه لكرة القدم فى سن صغيرة، فلم يتجاوز بعد أعوامه السبعة حتى سمع أفراد عائلته يصفقون ويهللون لشىء لا يفهمه، وعندما سأل والدته عن ماهية ما يرونه ويجعلهم يتفاعلون بهذه الطريقة، قررت والدته فى هذه اللحظة أن تعلمه كرة القدم، فوقفا الاثنان داخل منزلهما ودربته والدته على طريقة لعب الكرة وكيف تدخل الأجوال فى المرمى وغيرها من الأفعال الرياضية الخاصة بكرة القدم، لكن التجربة الأهم فى حياة محمود كما يرويها هى حصول مصر على كأس الأمم الأفريقية عام 1998: «أنا فاكر كويس ماتش مصر وموزمبيق اللى فزنا فيه 2/صفر، كنت فرحان أوى ساعتها، وبدأت من وقتها أكتب ملاحظاتى على الماتش على ما سمعت تعليقه فى الراديو، وكنت بفرج اللى حوالية على ملاحظاتى ولقيتهم كلهم بيقولولى إن تحليلى صح وإنى فهمت الماتش كويس من اللى سمعته». يُرجع محمود الفضل لإتقانه فنون التحليل الكروى إلى إذاعة الشباب والرياضة والمعلق الرياضى الأشهر الكابتن محمود بكر، والذى تبناه فى سن صغيرة وتنبأ له بمستقبل باهر: «أنا كنت فاتح إذاعة الشباب والرياضة 24 ساعة، حتى وأنا نايم مكنتش بقفل الراديو، ومرة قررت إنى أتصل بيهم وأقول تعليقاتى على المباريات، وفعلا معظم العاملين فى الإذاعة أعجبوا برؤيتى الفنية، خصوصا لما يعرفوا إنى كفيف ومابشفش وإن تحليلى ده قايم على مجهودات ذاتية، ومن خلالهم قدرت اوصل للكابتن الكبير محمود بكر اللى شجعنى، هو شخص جميل فى إفيهاته وتعليقاته وتعامله مع الناس». بالنسبة لمحمود لا تعنى الألوان شيئا محددا يستطيع أن يفهمه، ففقده للبصر منذ ولادته جعله يربط الألوان فقط بأندية الكرة، فالأحمر يعنى له الأهلى أما الأبيض الزمالك، والأصفر لون النادى الإسماعيلى، واللون الأخضر هو لون ملعب كرة القدم. صديقه وجاره أحمد هو عينه على الدنيا، فعندما تطوع محمود ليكون مراسلا رياضيا لإحدى إذاعات الإنترنت، كان أحمد مصاحبا له فى جميع ساعات عمله، يذهبان معا إلى المباريات، وفور انتهائها يجريان معا على أرض الملعب، ويهمس أحمد فى أذن محمود بأسامى اللاعبين الذين يقفون أمامه ليعقد معهم مجموعة من اللقاءات الحصرية: «صحابى بالنسبة لى حاجة كبيرة جدا، خصوصا أحمد لأنه على طول معايا، وهو اللى ساعدنى إنى أنجح كمراسل رياضى برغم إنى مابشفش».