روى أبوداود عن أبى هريرة، رضى الله عنه، عن النبى، صلى الله عليه وسلم، قال: «إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها»، بهذا الحديث كانت البشرى لمصر، ففى سنة 625 هجرية، ولد العلامة ابن دقيق العيد، الذى يعتبر أحد المجددين لهذا الدين. على سفينة ذاهبة إلى بلد الله الحرام، مكةالمكرمة، كان الشيخ مجد الدين القشيرى القوصى متوجها إلى كعبة الرحمن، وبعد قليل من مغادرة السفينة ميناء ينبع، ولد ل«القشيرى» طفله محمد الذى اشتهر فيما بعد باسم «ابن دقيق العيد»، فى تلك اللحظات بكى الوالد، وحمل رضيعه حتى إذا وصل للبيت الحرام، طاف به الكعبة، ودعا أن يهبه الله الذكاء والقوة ليكمل رحلة العلم، واستجاب الله لدعاء القشيرى، فأصبح ابن دقيق العيد قاضى قضاة المسلمين فى العصر المملوكى. أما لقب ابن دقيق العيد فأطلق على الشيخ تيمناً بلقب جده الأعلى الذى كان ذا صيت بعيد، ومكانة مرموقة بين أهل الصعيد، وقد لقب كذلك لأن هذا الجد كان يضع على رأسه يوم العيد طيلساناً أبيض شديد البياض، فشبهه العامة من أبناء الصعيد لبياضه الشديد هذا بدقيق العيد. نشأ ابن دقيق العيد فى مدينة قوص تحت رعاية والده مجد الدين القشيرى الذى تخرج على يديه الآلاف من أبناء الصعيد، فحفظ القرآن ودرس النحو واللغة، فى وقت كانت فيه مدينة قوص قبلة علمية فى صعيد مصر. حين أتم ابن دقيق العيد عامه السادس والثلاثين بقليل، سافر إلى العاصمة، ليجد ضالته فى سلطان العلماء، وإمام السلاطين، الشيخ العز بن عبدالسلام، فدرس على يديه أصول الفقه الشافعى، وبرع فى حل المسائل الفقهية، وأحاديث الرسول، وعلوم اللغة، ليصبح أستاذاً له تلاميذ فى المدرسة الناصرية والكاملية والفاضلية. وبعد الشهرة التى حصل عليها ابن دقيق العيد، أسند إليه والى قوص منصب القضاء على مذهب الإمام مالك، وظل فيه سبع سنوات، حتى أصبحت أحكامه مدارس قائمة بذاتها يتدرب عليها طلاب الشريعة فى أرجاء المحروسة. ألّف الفقيه العلامة سلسلة من الكتب منها «الإلمام فى الأحكام»، و«الاقتراح فى معرفة الاصطلاح» و«شرح التبريزى» و«شروح مختصر ابن الحاجب فى الفقه». توفى ابن دقيق العيد سنة 702 ه بالقاهرة عن عمر يناهز 77 عاماً، قضاها فى خدمة الدين الإسلامى الحنيف فى مختلف أنحاء العالم الإسلام، ودفن بجنازة تليق به وكان يوماً مشهوداً عزيزاً فى الوجود، وقف جيش مصر ينتظر الصلاة عليه، وكان مدفنه مطموس المعالم وسط جبانة عند سفح جبل المقطم، على مقربة من أولياء الله الصالحين. فقد عاش الإمام ابن دقيق مجهولاً بين كثير من الأجيال التى تلته، وإن كان حقه أن يتصدر قائمة علمائنا الذين أفاد منهم الناس والمسلمون كثيراً.
