الدنيا كورة والمونديال جنون.. ربما يكون أقل هذا العام، لكنه يبقى محط الاهتمام بدرجة أو بأخرى.. نشاهده ونتابع نتائجه، ونستمع إلى تحليل مبارياته، ونتعرف على خطط المدربين، كما نتابع حركة الأسهم صعوداً وهبوطاً، للاعبين والمدربين والحكام أيضاً.. انتصارات وهزائم، فلا توجد فرقة تدخل المباراة، وهى تعرف مصيرها.. تستمر فى الصعود، أو تغادر بلا عودة.. وهذا هو تداول السلطة، الذى نعرفه فى الرياضة، ولا نعرفه فى السياسة! لا يوجد كبير دائماً فى الكرة، ولا يوجد كبير دائماً فى السياسة.. الفرق الكبرى خرجت لأنها اعتمدت على تاريخها فقط، وهناك فرق بقيت لم يكن أحد يتصور أن تبقى.. الأساس هنا من الذى يلعب كرة حديثة، وينفذ خطط مدربه، ويبذل العرق أكثر.. لا تاريخ ولا جغرافيا.. البقاء لمن يلعب ولمن تصفق له الجماهير.. غانا مثلاً قدمت عروضاً مبهرة، ومثلها شيلى وباراجواى.. بينما خرجت فرنسا وإيطاليا وإنجلترا، وسقط الكبار! الكوتش فى الرياضة، لا يلعب داخل المستطيل الأخضر، ويقتصر دوره على رسم الخطط فقط، أما الكوتش فى السياسة فهو ينزل ليلعب، وربما مكان اللاعبين الأصليين.. يحدث هذا فى العالم الثالث تحديداً، ويعتمد على التاريخ والجغرافيا، وتصفق له الجماهير، ويكتب له الشعراء القصائد، ويطالبونه بالتدخل بدعوى لفتاته الإنسانية، وتفانيه فى خدمة الوطن، مع أن الأصل أن يبقى مجرد كوتش فقط! فى المونديال، لا يعرف المدرب مصيره، خاصة عندما يخرج فريقه، وقد تابع العالم أثر هزيمة إنجلترا على وجه كابيللو، ونقلت الكاميرات شعوره وإحساسه كلما أحرزت ألمانيا هدفاً جديداً، وكيف أصبح هذا المدرب الأغلى على مستوى العالم، يقول: يا أرض انشقى وابلعينى.. هكذا هى الرياضة هناك، لا بقاء لفاشل ولا لمهزوم، ولا بقاء لأحد لأنه مسنود.. وهكذا فى السياسة الغربية أيضاً! عندنا النتائج لا قيمة لها.. لا فى السياسة ولا فى الرياضة.. فلم يحدث أن استقال مدرب فى الرياضة، ولا فى السياسة، لأن النتائج لا تهم، المهم أن يكون مرضياً عنه، والمهم أن يكون مرتبطاً بعلاقات تحميه، ولو أحرز صفراً.. وكلنا نتذكر وزير الصفر، واتحاد الصفر، ومدرب الصفر.. لم ينجح أحد، ولم يخرج أحد، وكيف يخرج أحد ولم يخرج قبله أحد؟.. وكيف يستقيل أحد ولم يسبق أن استقال أحد؟! لا أحد يملك شجاعة الاستقالة، ولا أحد يقدر على الكلام غير الكوتش.. إن قال سكت الكل، وإن رضى فلا قيمة لغضب أحد.. فالكوتش هنا يخطط ويرسم، ويضع البرامج، ويلعب أيضاً.. ولا يعرف أحد أن الكوتش الذى يلعب ليس لديه وقت للتفكير، وليس لديه وقت للتخطيط، كما أن النتائج لا تحسب عليه وقت الهزيمة.. ولا يمكن أن يكون كبش الفداء! وكم شاهدنا فى المونديال مدرباً يستبعد نجماً كبيراً، لأنه لا يؤدى أداء مرضياً.. فى السياسة المحلية كل التقديرات ممتازة، بينما المحصلة صفر.. هاتوا لى مرة واحدة أقال فيها الكوتش وزيراً لأنه استنفد كل ما عنده، وهاتوا لى مرة واحدة أقال فيها الكوتش وزيراً لأنه فاسد.. لم يحدث، فالكل ينفذ برنامج الكوتش الرئاسى! تفرق كتير أن يخرج أحد، أو أن يلوح بالخروج أحد.. للأسف التلويح بالخروج يحرج الكوتش ويعكر مزاجه.. ومن هنا لا نجد غير أن نطالب الكوتش بالتدخل.. مع أنه خطأ جسيم، ومع أن هناك مسائل أبسط من أن تعرض عليه.. وكانت النتيجة أننا نطالب الآن بتغيير الكوتش نفسه.. دون حساب للتاريخ أو الجغرافيا!