لا تكاد تمر مناسبة أو لقاء صحفي أو إعلامي أو افتتاح مشروع أو حتى فرن بلدي إلا ونسمع جميعا عبارة مصكوكة وسابقة التجهيز من أي مسئول في أي موقع حكومي .. بناء على تعليمات السيد الرئيس .. بناء على تعليمات السيد الوزير ... بناء على توجيهات السيد المسئول .. وكأن مصر كلها بجميع هيئاتها ومؤسساتها وأجهزتها تعجز عن العمل بمفردها دون توجيهات من السيد المسئول ! ويبدو أن هذه العادة أو هذا المرض بمعنى أصح تصيب كل المسئولين في مصر بمجرد توليهم المنصب فيتحول المسئول إلى مجرد منفذ لتوجيهات الرئيس الأعلى بدءا من رئيس القسم وحتى الوزير أو حتى رئيس الوزراء نفسه .. فالموظف عندما تتاح له فرصة الظهور الإعلامي يبدأ كلامه دائما بعبارة بناء على توجيهات السيد رئيس القطاع وعندما يتحدث السيد رئيس القطاع يردد عبارة بناء على توجيهات السيد وكيل الوزارة .. ثم يتحدث السيد وكيل الوزارة ليردد هو الآخر عبارة بناء على توجيهات السيد الوزير ... أما السيد الوزير نفسه أو من يوازيه في المسئولية فعندما يتحدث عن إنجاز تم أو مشروع أو حتى عن عمله الروتيني لابد ان يبدأ بعبارة بناء على توجيهات السيد الرئيس هذه العبارة المصرية الأصيلة لاتكاد تجد لها نظيرا في دولة أخرى غير مصر .. ففي كل دول العالم كل مسئول يعرف مسئوليته وواجباته وحقوقه أيضا فكما يحصل على حقوقه كاملة فهو يؤدي واجبه كاملا بدون الحصول على توجيهات لأن المفترض أنه في مكانه هذا هو الأكثر خبرة من غيره لأداء عمله المكلف به .. فالمهندس خبير في موقعه والطبيب خبير في موقعه .. والعامل الفني خبير في مجال عمله الذي يعمل فيه ويجيده فلماذا إذن تتحول كل الخبرات لدينا إلى مجرد تنفيذ توجيهات من مسئول قد يكون غير خبير بمجال عمل المتحدث .. فعندما يقول وزير ما إنه بناء على توجيهات السيد رئيس الجمهورية تم تنفيذ كذا وكذا وافتتاح كذا وكذا فهو في هذه الحالة لايخرج عن أمر من اثنين إما أنه لايفهم في مجال عمله وينتظر توجيهات السيد الرئيس حتى يعمل في مجال هو نفسه متخصص فيه .. أو أنه منافق ومتملق لشخص الرئيس الذي لن يعيره انتباهالأن المنافقين والمتملقين لايهتم بهم أحد وعبارة بناء على توجيهات السيد الرئيس تلك العبارة المصرية الفريدة أو الابتكار المصري الأصيل قد تنفع في بعض المواقف التي يجامل فيها المسئول رئيس الجمهورية أو رئيسه الأعلى منه حتى ينال رضاه .. هذه العبارة هي في حد ذاتها كفيلة بعزل أي مسئول من منصبه لأنه لو انتظر حتى تأتيه توجيهات المسئول الأعلى حتى يقوم بدوره وواجبه فهو بكل تأكيد مقصر في عمله بل ولا يستحق أن يبقى فيه .. ولو كان رئيس الجمهورية سيتفرغ للتوجيهات إلى من هم أولى بالقيام بمسئولياتهم في كل المجالات فإنه لن يقوم بعمله كرئيس للجمهورية .. ولو كان الوزير ينتظر توجيهات الرئيس الذي بالطبع لن يكون خبيرا في عمل السيد الوزير الذي هو بالطبع أكثر خبرة من أي رئيس في عمله المتخصص فيه وإلا ما تولى الوزارة أو أصبح وزيرا ولكان من حق السيد الرئيس أن يقوم هو بكل المهام بدلا من تعيين الوزراء الذين من المفترض فيهم أن يعملوا لمعاونة الرئيس في إدارة شئون البلاد لا أن ينتظروا توجيهات من هنا أو هناك ولكل ما سبق فأنا أقترح على السيد الرئيس أن يصدر قرارا بعزل فوري لكل من يردد هذه العبارة لأنه ببساطة إما منافق أو عاجز عن العمل إلا بتوجيهات وبتالى فهو غير كفء ليبقى في منصبه الذي يشغله وأولى به أن يبحث لنفسه عن مكان آخر ويترك مكانه لمن هو قادر على العمل وتحمل المسئولية دون انتظار التوجيهات من السادة المسئولين وإلى كل السادة المسئولين من الوزراء وغيرهم .. السيد الرئيس جاء بكم لتقوموا بأعمال محددة في مجال خبرتكم وليس في مجال خبرته وبالضرورة فإن من واجبكم القيام بما أنتم مكلفون به سواء تلقيتم التوجيهات أو لم تتلقوها .. وأنا بناء على توجيهات ضميري أقول حسبي الله ونعم الوكيل فيكم وفي كل مسئول لايراعي ضميره وربه في عمله وينتظر من يوجهه حتى يهرب من تحمل المسئولية .. حسبي الله ونعم الوكيل. المشهد.. لا سقف للحرية المشهد.. لا سقف للحرية