كانت الفرقة الموسيقية التي تصاحب المطرب أو المطربة تسمي في الزمن الجميل فرقة الألتية عندما كان الطرب طرباً وليس تيك أواي وعندما كان الغناء لشعر شوقي وحافظ وليس لكلمات مثل "بحبك يا حمار والعنب العنب والبلح البلح". هذا الغناء الآن في الزمن الردئ محل إعجاب السميعة ونظراً لأن فرقة الألتية كانت مهمتها الترفيه علي الشعب ومحاولة رفع مستواه الفني وليسبح في سماء الخيال وأن يعيش في جو ملائكي وذلك من خلال قصائد شعرية خالدة والحان رائعة تساعد علي ارتقاء مستوي السميعة لحالة الرخاء التي كانوا يتمتعون بها حيث كانت قيمة الجنية المصري الورقي تزيد علي قيمة الجنية الذهب ( حاليا الجنيه الذهب يزيد ثمنه أكثر من ألفين جنيه مصري) وحيث كان طبق المكرونة في مطاعم وسط القاهرة ثمنه ثلاثة قروش ( ارجع إلي أفلام نجيب الريحاني القديمة) ولعلم الأجيال الجديدة أن الجنية المصري الورقي كان يساوي مائة قرش وحاليا القرش تم إلغائه أيضا كانت زجاجة الكوكاكولا ثمنها قرش ونصف (حاليا ثمنها 300 قرش) أما عن المواصلات فقد كان يمكنك الذهاب من ميدان العتبة إلي الأهرامات عن طريق الترام وتغير الترام في ميدان الجيزة نظير قرش واحد للتذكرة ويعطيك الكمساري التذكرة بالإضافة إلي مشط كبريت. كم يا تري يكلفك هذا المشوار الآن؟ علاوة علي ذلك لم تكن هناك مشكلة في الحصول علي مسكن علي كافة المستويات بل كان في معظم الشوارع في جميع المحافظات لافته علي أغلب العمارات شقة للإيجار بل إن مدينة القاهرة في معظم أحيائها للإسكان المتوسط كانت في حدود إيجار شهري متوسط خمسة جنيهات(حاليا وزارة الإسكان طرحت أسكانا متوسطا للشباب مساحة الشقة حوالي مائة متر مسطح بحوالي نصف مليون جنيه ) . أما عن التعليم فقد كان العصر الذهبي له إبان حكومتي الوفد ( 1942 – 1944) ، ( 1950 – 1952) أولاً مجاناً للتعليم الابتدائي وثانيا مجاناً للتعليم الثانوي العام والتعليم الفني وذلك نظير رسوم قدرها خمسة وعشرون قرشا شاملة التعليم الجيد وتسليم الطالب جميع الكتب والكراريس وحتي الأقلام الرصاص وريش الحبر والسنون والممحاة ونشافة الحبر بالإضافة إلي تغذية كاملة أربعة أيام في الأسبوع وجبة كاملة مكونة من أرز + لحوم حمراء أو فراخ أو سمك + خضار+ سلطة + فاكهة الموسم) أم اليومين آخرين فهما لكل طالب ساندوتش جبنه + ساندوتش حلاوة طحينية + فاكهة الموسم) علاوة علي ذلك تعليم جيد طبقاً للمعايير الدولية ولا يوجد دروس خصوصية علي الإطلاق إلي جانب النشاط الرياضي والنشاط الثقافي والنشاط الاجتماعي أي كان تعليم وتربية وتنشأة المواطن نشأة سليمة ولم يكن هناك تطرف ولا عنف ولا سوء أخلاق. قارن بين هذا التعليم في الزمن الجميل والتعليم الآن؟ أيضا كان هناك عسكري الدرك الذي يسهر في الشارع طول الليل يعلن بأعلى صوته أنه موجود ويطلق صرخته الشهيرة ( هاع) ويمر علي كل المحلات بالشارع ليتأكد بنفسه أن جميع أقفال المحلات مغلقة وهذه الصرخة المدوية كانت تعطي الأمان للمواطنين بأنهم في أمان. قارن بين هذا وبين الحال الآن؟ وإذا انتقلت إلي الصحة فقد كان هناك حد أدني من العلاج في المستشفيات الحكومية وأما المستشفيات الخاصة فمعظمها كان يماثل المستشفيات في أوروبا أما حاليا فالمريض الداخل لمستشفي حكومي فهو مفقود والخارج منه مولود وأما المستشفيات الخاصة فالداخل فيها مسروق مسروق يا ولدي والخارج منها سليم أحياناً فهو محظوظ محظوظ يا ولدي . وهكذا كانت غالبية الأحوال في ذلك الزمن الجميل علي أرض مصر المحروسة. ومرت الأيام وقلب الزمن ظهر المجن علي مصر وعلي المصريين فدوام الحال من المحال فمنذ أكثر من ستة عقود من الزمن تدهورت الأحوال في معظم مناحي الحياة فتدهور التعليم وتراجع العلاج في المستشفيات وانفلت الأمن وصار الحصول علي سكن مناسب أمراً صعب المنال وتفاقمت أزمة المرور وارتفعت أسعار المعيشة في جميع مناحي الحياة وأخيراً أصابها السعار وأصبح الشعب المصري في حيص بيص حتي أصبحت تري الناس يهيمون علي وجوههم في الشوارع وتراهم سكارى وما هم بسكارى بل إن بعضهم صار يكلم نفسه في الشارع وحيث أن الحكومات المتعاقبة فشلت في أن تحل ولو حتى مشكلة واحدة من المشاكل الكثيرة التي تواجه الشعب المصري أبسطها مشكلة القمامة التي تزداد يوما بعد يوم ومشكلة المرور التي جعلت معظم المدن حركة السير فيه متوقفة بالساعات مما يؤثر علي حركة الحياة ويكبد الدولة والشعب خسائر فادحة سواء مادية أو معنوية أو زمنية أو صحية كما أنها تؤثر تأثيرا بالغاً علي الاستثمار المحلي والأجنبي أيضاً تؤثر علي التنمية داخل البلاد. وكان لابد للحكومات المتوالية بعد فشلها الذريع أن تقوم بإلهاء الشعب وذلك بتطوير فرقة الآلتية فبعد أن كانت تقوم بالترفيه علي الشعب ورفع مستوي ذوقه الفني صارت تستخدم هذه الفرقة في الترويج لسياستها الفاشلة واستخدام التعتيم والتضليل والتدليس علي الشعب ووضعت جميع وسائل الإعلام ملك يمينها وظلت فرقة الألتية بعد تطويرها تردد نفس المونولوج بنفس اللحن الممل والمستمر لمدة تزيد علي ستة عقود رغم أن معظم أعضاء فرقة الألتية حالياً انقضي عمرهم الافتراضي بل إن بعضهم أصبح يشبه المومياء ومن العجيب والغريب إنه يتم الإغداق عليهم بملايين الجنيهات شهرياً سواء عن طريق الإعلام المكتوب أو المسموع أو المرئي رغم أن المونولوج لم يتغير طول السنين حتي معظم المواطنين عندما يشاهدون أحد أفراد الآلتية يحولون مؤشر التليفزيون إلي قناة أخري أو يديرون مؤشر الراديو إلي محطة أخري. ورغم قيام ثورة يناير 2011 التي أبهرت العالم فمازالت فرقة الآلتية مستمرة طوال الأربعة وعشرين ساعة في عزف هذا اللحن الممل الذي عفا عليه الزمن حتي صار معظم الشعب يسد آذانه حتي لا يسمع هذا المونولوج الحامض . وإذا كانت الحكومة المصرية جادة في التغيير ولديها الإرادة والرغبة فعليها فوراً حل فرقة الآلتية وتسريح أعضائها ومنعهم من الظهور في وسائل الأعلام فلقد تسببوا في إصابة مخ معظم الشعب بالكلو وإبدالهم بشباب غض نضير يتعامل مع الثورة التكنولوجية وأن يتم إسدال الستار علي فرقة الألتية الذي صارت الفرقة العبثية. ربنا لقد أغلق الفهم علينا وتداخلت الصور أمامنا وتكاثرت الأوراق بيننا. فأهدنا إلي الحق وارزقنا إتباعه. أنك سميع مجيب الدعاء يا رب العالمين. المشهد.. لا سقف للحرية المشهد.. لا سقف للحرية