لم تعد تفصل تونس عن الانتخابات الرئاسية في دورتها الثانية و الاخيرة الا ساعات، و بعد ان خاض الطرفان حملتيهما الانتخابية، و بعد ان ذلا كل واحد بدلوه في لقاءات مباشرة مع الجماهير و لقاءات غير مباشرة عبر الإذاعات و القنوات التلفزية، و في مقابلتينتلفزيتين مع الشعب، و بعد ان ارتفع الجدال و السجال، و بعد ان اطلع الشعب على فحوى البرنامجين. لمن سيكون الفوز؟ و لمن تؤول الغلبة ؟ هل للمرزوقي ام للسبسي؟ و ما هي طبيعة الثمار التي ستجنيها تونس؟ و ما هو نصيب الشعب من ذلك؟ الاحد 21 ديسمبر، ستزف ساعة الخلاص، ساعة الحسم، و ستعلن النتائج لاحقا. فهل سيكتب لتونس ميلاد جديد؟ هل سيقطع التونسي مع الماضي؟ فتحل شرعية جديدة تعترف بان السياسة هي مشاركة ايجابية من جانب الشعب في الشأن العام، و هي حق من حقوق المواطنة ، فتقطع مع النخبة التي تغتصب السلطة و تنفرد بها، وتعترف بجماهير الشعب و تدافع عن الذات و الهوية، و تؤمن بان الشعب هو سيد القرار و تعلن ان حق السلطة مساو لحق المعارضة، و تسهر على علوية القانون و تغلب المصلحة العامة على المصلحة الفئوية. ان الرائج لدى الشارع التونسي هي نظريتان متناقضتان، نظرية ترى ان السيد المنصف المرزوقي، لا تمثيلية له في مجلس النواب لان حزبه " المؤتمر من اجل الجمهورية" خسر كل مقاعده ، و لا اثر له في الحكومة، و بالتالي ان انتخب كرئيس للجمهورية، فهو سيعيق مجلس الشعب و سيكبل الحكومة ، و نظرية ثانية ترى انه بانتخاب السيد الباجي قائد السبسي، فان منطق التغول سيسود بما ان حزبه هو صاحب عدد المقاعد الاكبر في البرلمان، و الحكومة ستتشكل من قبل حزبه "نداء تونس" و من هنا ستنشأ الدكتاتورية سيغلب الراي الفردي على القرار السياسي، و تعود تونس الى حكم الحزب الواحد على غرار "حزب التجمع" ايام بن علي ، في حين ان الاتجاه الاصوب يكون في انتخاب رئيس لا ينتمي للحزب الحاكم لخلق التوازن بين السلط. في حين يرى فريق ثالث ان زمن الاستبداد و الحكم الفردي قد ولى دون رجعة، و ان الديكتاتورية قد اقبرت فلا مجال للعودة الى الوراء او ان يسكن الشعب بهاجس الخوف لان الحكم اصبح بيد الشعب لا بيد السلطة. ان الامر الملح و الاكيد اليوم هو الخروج بالبلاد من وضعية المؤقت الى الوضعية الدائمة و الشرعية، و الانصراف الى القضايا العاجلة قبل الآجلة، و العمل على اخراج البلاد من الوضعية الحرجة و الحالة المهترئة للمواطن و لا يكون ذلك بالاستتباب الشامل للأمن و بسطه على كامل ارض الوطن، و تحقيق السلم الاجتماعي، و تكافؤ الفرص بين الجميع، و تحقيق النمو المتوازن و العادل بين الجهات. ان الحكمة و اعمال العقل اساس التدبير، فالمترشحان مطالبان بإرسال رسائل طمأنة الى الشعب التونسي، و اشارات من شانها تخفف من وطأة المشاحنة و الضجة الكلاميةو الابتعاد قدر الامكان عن التوتر و الارتقاء بالخطاب و انتقاء الألفاظ، دافعين بذلك الى حسن سير العملية الانتخابية و القبول بالنتائج سلبية كانت ام ايجابية. ان عجلة الزمن لن تتوقف اثر الانتخابات و ستتواصل الحياة بنسق عادي و رتيب، و في المقابل سيكبر حلم التونسيين و سيشتد شوقهم الى ما ستحققه لهم "الجمهورية الجديدة" من مكاسب. فهل ستصبح الديمقراطية حقا؟ و هل تصير الحرية واجبا مقدسا؟ و هل تلبي مطالب القاعدة الشعبية؟ و هل تتسع تونس للجميع؟ و هل تتحول الكتلة الشعبية الكبيرة المهملة الى ذات تاريخية فاعلة؟ هذه اسئلة نسوقها ، ستنبؤنا عنها الايام و الاشهر و السنوات القادمة ، فهل يتحقق الحلم، ام يندثر، ام يبقى معلقا بين السماء و الارض؟ المشهد.. لا سقف للحرية المشهد.. لا سقف للحرية