كان الآیرلندي جورج برنارد شو أحد كبار كتاب الإنجلیزیة في النصف الأول من القرن الماضي، وربما كبیر المسرحیین في تلك الحقبة. الأھم، أنھ كان داعیة إنسانیا یأمل في قیام عالم مثالي خال من أوبئة الحروب وكوارث المجاعات وحیاة الفقر والعوز. وبالتالي كان یحلم بعالم یسوده السلم من أجل أن یتمكن البشر من الانصراف إلى العمل والإنتاج وتحقیق التطور والتأمل.على من وضع آمالھ ھذا الرجل العبقري؟ على ثلاثة.. وتفضلوا عدوا معي: ستالین وھتلر وموسولیني..الزعیم والقائد والدوتشي. قام شو بزیارة الثلاثة على مراحل مختلفة، وأعد لھ كل واحد منھم جولة ساحرة في بلاده، وأحاطوه بأفضل المثقفین من الذین یتحدثون الإنجلیزیة. وأخذ في روسیا إلى «قریة نموذجیة» معبدة الطرق، جمیلة المخازن، تفوح من أفرانھا رائحة الخبز الطازج. لكن عندما انھار الاتحاد السوفیاتي لم یكن لمثل ھذه القریة وجود بعد في أي مكان. عاد شو من موسكو لیكتب أن «التجربة السوفیاتیة العظیمة إذ تعم العالم، سوف تنقذ الحضارة الإنسانیة من الانھیار». أقام یومھا في فندق «متروبول»، وبعد نصف قرن تماما أقمت في الفندق نفسھ صیف 1972. ولم یكن شيء قد تغیر ربما سوى أغطیة السریر. وكانت تجربة الأسبوعین ثقیلة، فلم أر وجھا باسما بین العمال والموظفین، ولم أستطع الحصول على سلطة خضار، كل سلطة كانت سلطة تونة وبیض ومجمدات أخرى. الدیكتاتوریون الثلاثة سحروا العبقري الذي كان یسخر من سذاجات العالم. بالطبع كان ستالین قادرا على أسر محدثیھ، وھتلر كانت لھ كاریزما واضحة.. لكنني لا أدري كیف أعجب «بحیویة» الدب موسولیني، وكیف سمح لنفسھ بأن یكتب كلمة جیدة فیھ وھو یدرك مدى الھمجیات التي كان یمارسھا في إثیوبیا ولیبیا آنذاك. امتدح شو مضیفھ ستالین: رجل لا خبث فیھ.. ھادئ وبسیط. ولم یبدر منھ أي غضب إلا عندما سألتھ إحدى الحاضرات «متى سوف تكف عن إطلاق الرصاص على الناس كما كان یفعل القیصر؟»، فأجاب، متذمرا من أن بلاده ضحیة صراع دولي «عندما یحل السلام في العالم»، ثم رد على السائلة منتقدا بریطانیا «وأنتم في بریطانیا متى ستكفون عن ضرب التلامیذ في المدارس؟». تطرح الآن أسئلة كثیرة حول ما فعلھ «المثقفون» العرب، من مناقشات لروایات القذافي، أو حفلات الزار التي دارت حول أفكار «الكتاب الأخضر» و«النظریة العالمیة الثالثة»، أو مھرجانات المربد في مدائح شغف صدام حسین بالحریة والمساواة. ولجمیع الإخوة الذین دلقوا من الحبر أكثر من «النھر العظیم» أو الفرات، لا علیكم.. تذكروا برنارد شو، إن كنتم قد سمعتم عنھ. -------------------------------- عن جریدة الشرق الاوسط