عندما كبل اسلاميون ملثمون سائق الشاحنة وهبي دمير وهم يلوحون بمدافع رشاشة واقتادوه إلى جهة غير معلومة لم يخطر على باله أن الحال سينتهي به إلى التعاطف مع قضية المتشددين. كان دمير واحدا من 32 سائق شاحنة تركيا وقعوا في قبضة مقاتلي تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام بمدينة الموصل بشمال العراق الشهر الماضي عندما استولى المقاتلون السنة على أراض في هجوم ينذر بتقسيم البلاد. واستقبلت حشود مبتهجة السائقين في بلدة سانليورفا بشرق تركيا بعد الافراج المفاجيء عنهم الاسبوع الماضي لكن 49 آخرين بينهم دبلوماسيون وجنود من القوات الخاصة وأطفال مازالوا محتجزين لدى تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام. وغير التنظيم اسمه إلى الدولة الاسلامية وأعلن قائده خليفة على المسلمين. ولم يكن شيء معروفا عن التنظيم قبل أزمة الرهائن التي نشبت الشهر الماضي باستثناء المقاطع الوحشية التي بثها على وسائل التواصل الاجتماعي. وقال دمير لرويترز عن ساعات الرعب الاولى التي قضاها بعد أن سيطر مقاتلو التنظيم على محطة الكهرباء التي كان ينقل امدادات لها بشاحنته "عرفتهم من مقاطع الفيديو على الانترنت التي يقطعون فيها رؤوس الناس." غير أن دمير التركي السني استخدم خلال 23 يوما قضاها في الأسر مهاراته في اللغة العربية للترجمة بين زملائه من السائقين وخاطفيهم. وتحول الحديث القصير إلى مناقشات مطولة عن سبب رفع المقاتلين السنة السلاح في وجه رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي ووجد دمير نفسه يتعاطف مع محنتهم. وقال لرويترز في بيته قرب مدينة سانليورفا "بعد أن تحدثت إليهم واستمعت إلى حكاياتهم كنت على وشك أن أطلب منهم أن يعطوني سلاحا واقترح أن اقاتل في صفوفهم." وأضاف "قالوا لي كيف عادوا إلى بيوتهم وكانت زوجاتهم وشقيقاتهم قد اختفين. وكيف ارتكب جنود المالكي أمورا فظيعة بحق نسائهم أمام أعينهم. وقالوا إن المالكي كان سيقتلهم في النهاية ولذلك اختاروا القتال." وقد فاجأت السرعة التي تحول بها التنظيم من جماعة تستلهم فكر القاعدة إلى طرف فاعل على الساحة الاقليمية الكثيرين وغذاه غضب الاقلية السنية في العراق من الطائفية التي رآها السنة في تصرفات المالكي. ويتفهم كثيرون في تركيا التي يسودها المذهب السني هذا الاستياء. وتركز الاهتمام العالمي بالجماعة حتى عهد قريب على قدرتها على جذب الاف من المقاتلين الاجانب من دول في أوروبا وشمال افريقيا للمشاركة في حملتها في العراق وسوريا بالاضافة إلى أساليبها الوحشية. ونشرت الدولة الاسلامية مقاطع فيديو وصورا على وسائل التواصل الاجتماعي تظهر فيما يبدو مشاهد قتل جنود عراقيين أسرى كما اتهمت منظمة هيومن رايتش ووتش لحقوق الانسان التنظيم بعدم مراعاة قواعد الحرب على الاطلاق. لكن دمير يقول إنه شاهد خلال فترة الأسر جانبا مختلفا من الشبان الذين يمثلون جنود التنظيم. وقال دمير "أعطونا مراتب لننام عليها بينما ناموا هم على الخرسانة. وكانوا يشربون الماء من البركة ويعطوننا المياه المعبأة في زجاجات. وقالوا إنهم يحبون الشعب التركي وإنهم لا يؤذون من يعترف ويصف نفسه بأنه مسلم." لكن ليس كل زملاء دمير يشعرون بنفس المشاعر عن الفترة التي أمضوها رهائن. فقد عاد محمد أولجون سالما إلى بيته في مدينة سانليورفا لكنه مازال يبكي كلما تذكر الرعب الذي أحس به خلال الأسر. وقال أولجون (46 عاما) وقد بدا عليه الارهاق "في اليوم الأول عندما أحضرونا إلى القاعدة الجوية كان أحدهم يحمل قنبلة يدوية منزوعة الفتيل أمامنا وقال 'اهربوا إذا استطعتم'. سكتنا سكوت الموتى من الخوف والصدمة." وأضاف "عدت للبيت ولكني ما زلت لا أصدق ذلك. لن أعود إلى الموصل أبدا. ما من فرصة."