الحقوقى محمد زارع رئيس المنظمة العربية للإصلاح الجنائى: القضاء يتعامل مع أرواح البشر ب"رعونة" كأنها لا شىء - هيبة الدولة تحتاج لمسئول صاحب ضمير - رفعت قضايا على كل وزراء الداخلية لرفع الظلم - اتهامات التمويل للمنظمات الحقوقية "باطلة".. وكل جنيه معلوم مصدره - على "الداخلية" أن تعلن السبب فى عدم تنفيذ الأحكام - رفعت 20 ألف قضية لتمكين طلاب معتقلين من الامتحانات - أحكام الإعدام من أول جلسة ومبارك ومرسى "لسه بيتحاكموا" - مرسى استخدم صلاحياته كرئيس للإفراج عن المعتقلين - المنظمات لا تعمل طوال الوقت فى قضايا تعجب الدولة - يجب اختيار الأفضل دون حسابات شخصية من أجل البلاد
اتهمت المنظمات الحقوقية فى الآونة الأخيرة أنها تعمل لصالح دول أخرى ضد مصر، ولا تقوم بدورها المطلوب فى الدفاع عن حقوق الإنسان، بالإضافة إلى اتهامات لها بالتمويل "المشبوه"، كما اتهمت بإثارة قضايا تعرقل مسيرة الدولة، وهو ما نفاه المحامى والحقوقى، محمد زارع، رئيس المنظمة العربية للإصلاح الجنائى، كما أكد أن هيبة مصر محفوظة منذ قديم الأزل، ولكن ما ينقصها هو أن يقودها من هم على قدر المسئولية، نافيًا أن يكون تعمد الخصومة مع وزراء الداخلية، مشيرًا إلى أن عمله هو الدفاع عن المظلومين، والدفاع عن حقوقهم ضد أى شخص، تحت مظلة القانون، كما رفض اتهامه بالانتماء إلى جماعة الإخوان المسلمين أو أى حزب سياسى، متحدثًا عن العديد من الأمور المثارة فى الشارع المصرى فى الفترة الأخيرة، خلال حواره مع "المشهد"، وإلى نص الحوار:
من وجهة نظرك هل عادت هيبة مصر كدولة أما أننا ما زلنا فى مهب الريح؟
منذ قديم الآزل ونحن دولة لها كيانها على مستوى المنطقة العربية وإفريقيا والعالم أجمع، ولكن ما ينقص مصر هو أن نصدق أننا دولة بالفعل، ولا أحد يجرؤ على هدمها، وذلك لن يكون سوى أن نكون على مستوى المسئولية، وأقصد هنا القائمين على مؤسسات الدولة، يجب أن يعلموا أننا دولة قانون. المعادلة سهلة إذا تعاملنا بالقانون وحكمنا ضمائرنا سنرتقى بهذه الدولة العريقة.
- ما سر اتهامك لوزير الداخلية ورفع قضية عليه فى هذا التوقيت ؟
ليس لدى أى اتهامات لوزير الداخلية الحالى أو السابق، أنا محامى أى مواطن يلجأ لى بإدعاء سواء كان التعرض للتعذيب أو التجاوز فى حقه بأماكن مختلفة، أطلب منه رفع دعوة على الجهة المختصة وهى وزارة الداخلية، ليأخذ القانون مجراه ويعطيه حقه، وبالفعل حصل العديد منهم على مبالغ تقدر بالملايين.. للتوضيح المسألة هنا غير شخصية والدعوة التى رفعتها على وزير الداخلية رفعتها عليه بصفته وزير الدخلية ومسئول عن هذا القطاع، وليس لشخصه. أنا رفعت قضايا على كل وزراء الداخلية وبينهم اللواء حبيب العدلى، وهذا يأتى فى المرحلة الأخيرة بعد عدم تنفيذ الأحكام القضائية النهائية وعرقلتها، فهنا أطالبهم بالتعويض ورفع قضية على شخصهم مباشرة كونه هو المسئول عن تنفيذ الأحكام.
- البعض يتسائل لماذا تهتم بقضايا التعذيب قبل "25 يناير"، ولا تهتم بمن كانوا وقت حكم مرسى ؟
أنا لا أنحاز لأى نظام، أنا محام عن 550 شهيدا ومصابا، منهم من كان فى عهد مرسى، على سبيل المثال، "محمد الجندى"، أنا محام أعمل فى مجال السجون وأدافع عن أى شخص يأتى ويطلب المساعدة، كما أن هناك قضايا مرفوعة منذ حكم المجلس العسكرى مرورًا بحكم الإخوان.
- هل حاولت أن تحصل على هذه الأحكام بطريقة ودية بينك وبين وزارة الداخلية؟
ليس هناك ما يسمى بالودية فالعلاقة التى بيننا القانون يحكمها، فى البداية أرسل لهم إعلانا بالحكم، ثم بعد ذلك أرسل إنذارا للوزير بتنفيذ الحكم القضائى، ثم تأتى المرحلة الأخيرة، وهى إقامة دعوة ضد الوزير كجنحة مباشرة، وهكذا فالمسألة قانونية بحتة .
- ما هو تبريرك لعدم تنفيذ الأحكام من قبل الوزارة ؟
سؤال يصعب الأجابة عليه ولكن أرجو أن يكون له إجابة لديهم.
- يتهمك البعض بانتمائك لجماعة الإخوان أو التعاطف معهم؟
أنا لا أنتمى لأى جماعة أو حزب، طول عمرى ناصرى، وكنت متهما فى التنظيم الناصرى المسلح، وفى عهد محمد مرسى، قدمت استقالتى من منظمة حقوق الإنسان اعتراضا على سياسة الإخوان داخل المجلس. أنا لست إخوانى أو غيره ولا أمارس السياسة الآن، أنا فقط محام أعمل فى مجال حقوق الإنسان، منذ بداية التسعينات، أنا مهتم بالسجين سواء كان سياسيا أو جنائيا له حقوق، ومن حقه الحصول عليها، أدافع عن أى شخص ولا أنظر لانتمائاته، رفعت من قبل 20 ألف قضية، لتمكين طلاب معتقلين من الامتحانات أو مرضى من العلاج ولا أعرف أحدا منهم شخصيًا.
- ما رأيك فى أحكام الأعدام التى صدرت فى قتل اللواء نبيل فراج؟
أولا أى حكم قضائى لا يجوز التعليق عليه، ولابد أن يحترم، وانتقاده يكون بالطريقة القانونية من النيابة العامة نفسها، المعروف أن أحكام الأعدام تقوم النيابة العامة بنقض الحكم، ولكن فى نفس الوقت ولا أتحدث عن هذه القضية بالتحديد أو أخرى بعينها، ولكن يجب أن يكون هناك منطق، فمن الغريب أن يأتى قاض ويقوم بالحكم بالإعدام على 600 شخص فى جلسة واحدة دون أن يمكنهم من الدفاع عن أنفسهم أو يقوم بتصوير الأوراق وإعطائها للدفاع، وبدون فض الأحراز هذه علامات استفهام غريبة جدا فى عرف الأحكام، فهذه أشياء تحتاج الوقوف عندها وليس تعاطفا مع من تم الحكم عليهم، وهنا أتسائل المحاكم المصرية تعودنا منها على إجراءات معينة، لماذا لم تتبع فى قضيتى مرسى ومبارك؟ لماذا لم يتم الحكم عليهم من الجلسة الأولى أو الثانية؟، القضاء أصبح يتعامل مع أرواح البشر ب"رعونة" واستسهال وكأنها لا شىء.
- ماذا تتمنى من للقضاء المصرى؟
أن يكون قضاءً مستقلا وليس مسيسا ولا يندرج وراء التورط فى الأحداث، لأنه قضاء فى الأساس عادل ونزيه وسمعته طيبة، أنا أتصور أنه نتيجة أعمال العنف الأخيرة والأحداث المتتالية، أصبح هناك استقطاب، الجميع أصبح طرفا وانقسم بين "مع وضد"، ونتيجة لهذا أصبحت الكثير من المؤسسات لديها مشكلة، فكل ما أتمناه من القضاء المصرى هو ضمانة النزاهة.
- إذا صادف وكان القاضى ظالما فى حكمه هل من الممكن أن ترفع قضية على القاضى نفسه ؟
المحاكم هى ساحة قضاء حقوق فهى ليس خصومة بينى وبينه، ولكن الذى بيننا هو القانون، وإذا حدث ذلك أذهب لمحكمة أعلى منه وأرفع قضية وهكذا.
- ما هى قانونية التى اتخذها مرسى بالإفراج عن عدد من الشخصيات وألغاها الرئيس المؤقت؟
مرسى استخدم صلاحياته كرئيس للدولة مثل الرؤساء السابقين "مبارك، السادات، عبد الناصر، محمد نجيب"، طبقا للدساتير المصرية يجوز للرئيس العفو عن المساجين، حتى وأن كانت أحكام بالإعدام فى قضايا جنائية أو سياسية أو جاسوسية، هناك صلاحيات لرئيس الدولة من حقه استخدامها، فسواء حكم الإفراج الذى اتخذه مرسى أو الإلغاء هذا جائز ومن صلاحيات رئيس الجمهورية.
- البعض يرى أن موقف جمال عيد أقوى من موقفك كمعارض للسياسة التابعة فى البلاد؟
مع احترامى للجميع فأنا لست معارضا أنا محام ليس ضد أو مع.. أنا لست سياسيًا وحتى هذه اللحظة حقوقى، والحقوقى هو رجل محايد يعمل بالقانون ويساعد الناس للحصول على حقوقهم التى ضاعت بشكل أو بآخر، وليس ضد أحد لا مع فريق أو فصيل بعينه وأحترم القانون والدستور وأعمل بهما.
- كيف تتعامل ماديا مع من لديه قضية ولا يقدر على سداد الأتعاب ؟
إذا كان لايقدر بالفعل فنساعده كمنظمة مجانًا أو نحصل على أتعاب لمن يقدر على الدفع أو نأخذ نسبا من التعويضات وكسبت من هذا كثير جدًا.
- هل هناك تنسيق بين المنظمات فى مصر وبين المنظمات الأخرى سواء عربية أو عالمية؟
ليس بالضرورة فهناك منظمات فى مصر، لا تعرف بعضها، كما أن هناك منظمات عالمية مثل "العفو الدولية، والعربية لحقوق الإنسان"، أحيانا نعمل معها، أنا عضو فى المنظمة الدولية الفيدرالية لحقوق الإنسان فهذه المنظمة تجمع كل دول العالم.
- هناك لبس عند البعض فى مصادر تمويل المنظمات الحقوقية فمن أين يأتى دخل منظمتكم؟
هناك أنواع من المنظمات مسجلة وتابعة للشئون الاجتماعية، كل جنيه يدخل للمنظمة معلوم مصدره، كما أن هناك منظمات غير مسجلة، تأخذ تمويلات محلية ودولية أو تبرعات لأعمال البر والخير، وأخرى تأخذ تبرعات لتثقف وتعلم وتعمل تدريبات، أما المنظمة العربية للإصلاح الجنائى خاصتنا، فهى عبارة عن شركة خاصة بالمحاماة تعمل فى المجال الحقوقى وليس لها تمويل.
- البعض يتهم منظمات حقوق الإنسان بالخيانة والعمالة وخاصة فى الآونة الأخيرة ما ردكم؟
إذا كانت المنظمات الحقوقية خائنة وعميلة ما كانت استمرت فى مصر أكثر من 30 سنة فى ظل نظام مبارك الأمنى، والذى كان يشرف على كل كبيرة وصغيرة عن طريق أمن الدولة، منظمات حقوق الإنسان مستقلة، وتعمل على حقوق الإنسان، وهى ليست بدعة مصرية، هذه المنظمات تعمل تحت مظلة قوانين وملتزمة بها، وإذا كان لديهم مشكلة بالفعل كما يدعى البعض ما كان نظام مبارك رحمهم أو المجلس العسكرى أو مرسى، ولكن لابد أن نعلم أن المنظمات لاتعمل طوال الوقت فى قضايا تعجب الدولة وتقف أمام أشخاص مسئولين فى الدولة، وهو ما يزعج الكثيرين، والهدف من هذه المنظمات الإصلاح وتحسين الوضع حتى وإن كان ضد الدولة أو القائمين عنها.
- هل تدافع عن ضباط أو من تم الاعتداء عليهم من بعض الجماعات بنفس الحماس الذى تدافع به عن السجناء؟
بالطبع الكل عندى سواء، أنا محام عن الضباط، الذين تم خطفهم فى سيناء 25 يناير 2011، وأخذنا أحكاما دولية، ولكن فى النهاية الثلاث ضباط وآمين الشرطة اختفوا فى منطقة جبل الحلال، فأين جهود الدولة؟، وهناك ضباط حدثت لهم معاناة فى الخدمة، هذا شىء عادى لأنه فى النهاية عملى، وإذا كانت الدولة تتعامل مع الأمور بجدية لماذا نرفع القضايا.
- فى النهاية ماذا تطلب من الدولة فى المرحلة المقبلة؟
أطلب منها أن تختار الأفضل والأصلح، مثال هناك واقعة حدثت فى روسيا مع الجاسوس الروسى، الذى كان يتخابر لصالح أمريكا، وهو كان فى مكانة مرتفعة ومتوقع أن يصبح رئيسا للجمهورية، وبعد سنوات طويلة انكشف فسألوه "أنت لم تراهم أو تتعامل معهم أو تتصل بهم، فماذا كان مطلوبا منك؟"، فقال لهم: "كان هناك اتفاق بيننا، عندما أصل إلى الحكم اختار الأسوأ"، وهو ما أريد أن أوضحه عندما يعرض على رئيس الجمهورية أو الوزير، قائمة أسماء ليختار منها لابد أن يختار الأفضل، وليس على حسب توجهه، إذا كنا نريد النهوض بالبلاد.