"المرأة ترفض الخضوع والانكسار من أجل كرامتها وحريتها" - الإعدام ل 4 أشخاص أول عقوبة تواجه الظاهرة عام 1985 - "فتاة العتبة" الاغتصاب فى نهار رمضان 1993 - غاب فى زمن "الميني جيب والمايوهات".. وانتشر فى زمن التدين الظاهري - هتك عرض سياسى و"سى دى" الكبير فى أقسام الشرطة - وحدة الانتماء والهدف تجنب التحرش - المتحرش يتحدى سلطة الدين والدولة والمجتمع لإثبات ذاته المستلبة - تعددت المبادرات والتحرش مستمر لم يكن ما حدث في التحرير يوم الاحتفال بتنصيب الرئيس السيسي من حالات تحرش وصلت إلى اغتصاب وهتك عرض، هي أول حالة وربما لن تكون آخرها، استمر المجتمع في تصوير هذه الحالات بوصفات جاهزة ومعلبة مثل الانفلات الأخلاقي أو "هو إيه اللي وداها هناك"، أو إلقاء اللوم على العدو السياسي، أو أن ملابس البنات وعدم الإيمان والتدين هو السبب الأساسي، وتجاهل تاريخ التحرش ومتى بدأ ودراسته وتحليله اجتماعيا ونفسيا واقتصاديا وثقافيا، وإذا لم يحدث ذلك سيتكرر الأمر بشكل أبشع. وكانت أول صدمة للمجتمع المصري في 1985، حين حصلت حادثة هزت المجتمع أطلق عليها "حادثة فتاة المعادي" وهي بنت كانت مع خطيبها في سيارته وهجم عليهما 4 مسلحين ضربوا الشاب واغتصبوا البنت، بعد شهور قليلة صدر حكم بإعدام الأربعة وتم تنفيذه. ثم تكرر الأمر في سنة 1993 في حادثة ثانية أطلق عليها "فتاة العتبة"، وهي بنت كانت مع أمها في وضح نهار رمضان تحاول ركوب الأوتوبيس في ميدان العتبة، على بعد خطوات قليلة من قسم الشرطة، وسط آلاف المصريين المتواجدين في الميدان، وفجأة ظهر مجرم شدها وهجم عليها وتم إغتصابها على سلم الأوتوبيس. وتم القبض على شخص معاق وتمت تبرئته لتنتهي قضية فتاة العتبة دون متهم... لتكون بداية الإستهانة بحوادث التحرش، لتتكر وتستفحل في 2005 و2011 و2013 و2014 لنصبح كلنا فتاة العتبة. وكان أول ذكر علني للتحرش الجنسي في مدونات اختار أصحابها أن يحكوا ويفضفضوا عما يحدث للنساء في شوارع مصر كل يوم، سرد ما هو معروف ومسلم بيه بشكل صريح، أحيانا بشكل قبيح وفج وأحيانا بشكل ساخر ودائما ما يعبر عن غضب، كان منها كشف أحداث التحرش الجنسي الجماعي في وسط البلد في الأعياد، مصحوبة بشهادات وتسجيلات فيديو تقدم أدلة قاطعة على حدوث التحرش بل وتكرره. في الوقت الذي حاول فيه الداخلية وباقي أجهزة الدولة في تصوير التحرش على أنه حالة فردية وأن المدونين وشباب النت يبالغون في تصويرها لتشويه سمعة مصر، بينما أصر البعض الآخر وبينهم تجار الدين في قلب الضحية إلى جاني والجاني إلى ضحية حين تم اتهام الفتاة التي تتعرض للتحرش بأنها السبب نتيجة ملابسها أو طريقة سيرها، ونسى أو تناسى الجميع أن مصر في الستينيات والسبعينيات كانت تموج بموضة الميني جيب والميكرو جيب والشورتات الساخنة، وأن الشواطئ المصرية كانت تمتلئ بالمايوهات، وهو ما تعبر عنه سينما هذه الفترة والتي استمرت حتى منتصف السبعينيات مع التحول الاجتماعي الذي صاحب هجرة الكثير من عمال وموظفي مصر إلى دول الخليج والعودة بالمروحة والفيديو والأفكار الوهابية. الغريب أنه في هذه الفترة لم نسمع أو نقرأ عن حالات التحرش بينما شاهدنا مع انتشار الحجاب والقنوات الدينية والتدين الظاهري الذي انتشر في فترة التسعينيات واستمرت حتى الآن. على التوازي كان حدوث التحرش الجنسي السياسي بالمتظاهرات واتجهت أنظار العالم كله لشارع عبد الخالق ثروت، بعدها كانت شهادة محمد الشرقاوي، الناشر والناشط السياسي، عن خطفه و تعذيبه وهتك عرضه في قسم قصر النيل، والتي نشرت بعد مرور يوم واحد فقط على تعذيب الشرقاوي، تلاها قضية عماد الكبير، والسي دي الشهير وقتها والذي تم تصويره من قبل رجال المباحث أثناء هتك عرضه. وجاءت الثورة المصرية لنشهد 18 عشر يوما لم يحدث بها أية معاكسات أو تحرشات بالفتيات حينما كان الكل مجتمعا فى ميدان التحرير تحت هدف واحد و شعار واحد هو ضرورة مقاومة السلطة الغاشمة. ويمكن أن نخلص من ذلك الى إستنتاج سريع بأن وحدة الانتماء والهدف تجنب التحرش. أما ما بعد هذه الأيام الثمانية، فقد شهدنا انقلابا فى غاية السوء حيث تزايدت حوادث التحرش الجنسى بالمرأة. وذلك مع تزايد وجود النساء فى المجال العام وظهر ذلك بتجلى فيما عرف بأول مظاهرة نسائية طالبن فيها بحرياتهن الشخصية واستعادة كرامتهن عند التواجد فى الشارع والحياة العامة، إلا أن ذلك قوبل بتزايد معدلات التحرش ويرجع ذلك فى نظر البعض إلى غياب التواجد الأمنى لفترة كبيرة ودخول عناصر وأنماط عرفت بالعناصر المندسة وسط المتظاهرين الثوار أو إحساس المتحرش بقدرته على الافلات بجريمته بعد ارتكابها، لأنه لا يوجد رادع سياسى أو قانونى أو مجتمعى، فما جعل الكل يلتزم بأخلاقيات معينة فى ميدان التحرير هو الإحساس بأن الكل فى الميدان يتحد من أجل هدف واحد وأن هناك اخلاقيات للميدان لا يمكن لأحد الخروج عليها، ومن يخرج عليها سيقابل برادع مجتمعى في منتهى الشدة المتمثل فى سلطة ميدان التحرير فى ذلك الوقت. بينما انقلب الحال منذ تظاهرات اليوم العالمى للمرأة فى 8 مارس 2011، حيث بدأت الحوادث الكبيرة للتحرش بالمرأة تظهر للعيان، وامتلأت الصحف وشاشات التلفزيون بمشاهد يندى لها الجبين مثل التحرش بالمراسلة الأمريكية لارا لوجان وغيرها من المصريات والاجانب. لكن تلك الظاهرة لم تنشأ بين يوم و ليلة، وانما كانت نتاج لتراكمات كثيرة حيث كان هناك الكثير من الوقائع التي حدثت قبل ثورة 25 يناير وتحديدا فى شوارع وسط البلد عندما كانت تكثر تجمعات الشباب والفتيات فيستغل الشباب ذلك الزحام، ومن أكثر تلك الحوادث المؤثرة حادثة سينما وسط البلد الشهيرة عام 2006، وهي التي دفعت وزارة الداخلية بعدها لإقامة كردونات أمنية لحماية النساء فى الشوارع من التعرض لحوادث التحرش فكان الحل الأمنى هو السائد مما أثار تساؤل: هل حوادث التحرش نتيجة لسيكولوجيا التزاحم فقط؟. وبتحليل بسيط لمجريات الأمور في مصر، يمكن أن نرى بشكل لافت أنه يمكن ألا يتم التحرش بسيدة على الرغم من أنها ربما تكون مرتديه لملابس كاشفة لبعض جسدها، ولكن المكان والزمان يعدان العنصران الأساسيان فى ذلك. فبالرغم من قصر ملابس الفتيات فى ستينيات القرن العشرين فى مصر إلا أن حوادث التحرش كانت أقل كثيرا بما لا يقارن بما يحدث حاليا. ويمكن إرجاع حوادث التحرش إلى إحساس الفرد المتحرش بالاستلاب والضياع أي بغياب الهدف من وجوده وبقائه. وهو ربما من ثم باعتدائه على السيدة حتى لو كانت ترتدى أكثر الملابس احتشاما، وتحديه لكل السلطات ومنها سلطة الدين والدولة والمجتمع يحاول إثبات ذاته المستلبة وإعلان احتجاجه على هذا المجتمع. وبالتعمق فى نفسية المتحرش نرى أن المشكلة ربما تكمن فى الانعزال والاغتراب عن المواطنين الآخرين وفى نفس الوقت الحاجة والرغبة فى الاشباع الجنسى. ولكن أيضا لا يكون الأمر دوما ناتجا دوما عن عدم اشباع تلك الحاجة، إذ يكون التحرش فى أحيان كثيرة هو مجرد إظهار عدم احترام لشعور الآخرين وحرماتهم. كما لا يغيب بالطبع ما ترتبط به تلك الظاهره من تدهور الجانب التعليمى والتربوى، و كذا الحالة الاقتصادية للقائمين بالتحرش. التحرش إذا فى كثير من الأحيان لا يهدف لإشباع رغبة ولكن تعبير عن حالة غضب و نوع من العداء والرفض والثورة، وربما يكون طريقة لاثبات الذات بمعنى أن المتحرش يقول "أنا هنا". أضف الى ذلك أنه يأخذ أحيانا شكل هوس جماعي، حيث قد تقوم مجموعة بالتحرش جماعيا وقد لا يربط بينهم أي رابط، أي ليست مجموعة من الأصدقاء أو الأقارب مثلا، ولكن مجرد مجموعة اجتمعت واندفعت وراء فكرة التحرش مثلما حدث فى الميادين و أمام دور السينما وهو ما يتكرر فى الأعياد وفى الأماكن العامة فى وضح النهار وتحت أعين المجتمع. ومن مشاهد ما بعد الثورة أيضا التى حفرت فى جبين الأمة المصرية مشهد تعرية جنود الجيش لفتاة فى أحداث مجلس الوزراء وهو المشهد الذى قوبل بدعوات رجعية لا تهتم ولا تبحث فى لماذا قام الجندى بذلك الفعل الشنيع ولكنها اهتمت بأسئلة مثل لماذا لم تتحصن الفتاة لمواجهة مثل هذا الموقف؟ فكأنها كانت لابد أن تكون مهيأة لأن تتعرض للضرب والاهانة والسحل وتتحصن له. وهذا أخذا فى الاعتبار أن الفتاة كانت محجبة وترتدى من الملابس التى تسمح لها بالسير فى مجتمع سليم طبيعى ليس به كل هذا الخلل . وتدخل قضية التحرش أيضا ضمن قضايا ممارسة القوة على طرف أضعف وتكون تلك الممارسة على جسد الآخر. و يحدث التحرش عندما ينظر طرف ما سواء رجل أو امرأة أنه فى موقع القوة بالنسبة للطرف الآخر ويتصور أن الآخر لن يقدر على مواجهة ما حدث معه. مبادرات مجتمعية تعددت المبادرات المواجهة للتحرش فيما بعد الثورة. نذكر منها حملة "امسك متحرش في العيد" وهي حملة قام بها مجموعة من المتطوعات والمتطوعين بهدف حماية ومناصرة المرأة المصرية فى عيد الفطر الماضى وارتدوا شعار " بنات مصر خط أحمر " وقاموا بتنظيم مجموعة لتوثيق حالات التحرش ومجموعة للامساك بالمتحرشين ومجموعة للمساندة المعنوية للبنت "ضحية التحرش" ومجموعة لمساعدة البنت للذهاب الى أقرب قسم شرطة لتحرير محضر. بالمثل جاءت حملة “كما تدين تدان” وتوزع أعضاءها أمام المولات ودور السينما، مؤكدةً: “لن نلجأ للأمن في التعامل مع المتحرش، لأن موقفه لن يكون حاسماً”وأيضا حملة " قطع إيدك ". كما توجد حملة "نفسى" التى تهدف إلى القضاء على التحرش الجنسي في مصر من خلال إطلاق عددا من المبادرات ويقول مؤسسيها أن " هدفنا أن يبقي الشارع المصري مكان أمن لكل من فيه، بدون استثناءات ، مؤمنين بحق كل امرأة أن تسير في الشارع دون أن يتحرش بها أي أحدن سواء بالنظر أو الكلام أو اللمس. ولم تستسلم المرأة المصرية لخطاب القهر والقمع والسيطرة الذى كتب على جسدها، فرغم تزايد آلامها فيما بعد الثورة من تزايد معدلات التحرش إلا أنها ترفض أن تكون مجرد مستقبلة للسلطة والقهر فتقاوم ذلك من خلال المبادرات العديدة التى أسستها الفتيات مثل "قطع إيدك" "نفسى" "لا للتحرش" "امسك متحرش" "أنا متحرش، إذا أنا حيوان" "احميها بدل ما تتحرش بيها". وحتى لو كانت النهاية شديدة الألم مثلما حدث لإيمان شهيدة التحرش بأسيوط، إلا أن كل ذلك يشير إلى عدم خضوع المرأة وعدم انكسارها حتى لو كانت ما زالت تدفع ثمنا باهظا من أجل كرامتها وحريتها التى لا تخالف الدين فى شىء وإنما تخالف دعوات القمع و الجهالة.