نشرت جريدة يومية، الاثنين الماضي، "رسالة وداع" طريفة كتبها واحد من كبار المحامين، يسبق اسمه لقب "الدكتور"، المحامي بالنقض والدستورية والإدارية العليا، موجهة إلى الرئيس عدلي منصور. الرسالة ليست مهمة في ذاتها، لكنها على طرافتها وغرابة أسلوبها الذي يذكّرك بأسلوب طالب ثانوي يكتب رسالة غرام، ناهيك عن مضمونها، نموذج فذ لما وصل إليه حال النخبة من تهافت، يعتبره المعلّقون الغربيون والعرب جزءا من ظاهرة "تآكل النخبة في مصر". تبدأ الرسالة التي من المفترض أن كاتبها محام كبير متصل بدوائر صفوة المحاكم، كما هو مبيّن، إلى رئيس هو أرفع قاض في مصر الآن، بهذه البداية الغريبة: "تحية تقدير واحترام للمستشار عدلي منصور، الذي يُعد "آلة" - هكذا- فريدة ومتميزة، ستظل وسام فخر وشرف، ليس للقضاء أو القضاة، ولكن لكل مصري"! فما معنى أن يصف المحامي، الرئيس، بأنه "آلة" إلاّ ان يكون مثل الدب الذي قتل صاحبه، أو هو "متآمر وأهبل" يرّوج لمزاعم وصور "فوتو شوب" تم تداولها للنيّل من شخص الرئيس المؤقت، وتصويره كما يدعي الإخوان وغيرهم باعتباره "آلة" موضوعة في الواجهة تعمل ب"الزمبلك"؟ أما الثانية، وهي أدهى وأمّر، فهي قول المحامي: "لقد تميزت طوال فترة حكمك ب"دماسة" خلق الرجل المتمكن من الفصحى (يقصد دماثة)، لم نرى (الصحيح نر) أو نسمع منك تلّفظ (تلّفظا) بألفاظ نابية كما كان يفعل المتخابر محمد مرسي الذي كان يتخبط لغويا في العربية".. وهي كما ترى: نكتة مركبة! وأما ثالثة الأثافي، كما تقول العرب، في هذه الرسالة التي "يتخبّط صاحبها لغويا في العربية" ما شاء له التخبّط، فهي قوله للرئيس منصور: "لقد كنت خليفة الله في حكم البلاد، ولم "تسعى" إليه طمعا في السلطة، إن منصة القضاء "عندك" يا فخامة الرئيس المستشار هي الأكبر "من وجهة نظرك" - لاحظ هذا العيّ اللغوي- ذلك أن منصب القاضي ليس بالمنصب الهيّن أو السهل، فحساب القاضي في الآخرة عسير، وعذاب ضميره في الدنيا إن أخطأ لعذاب قاتل"! عمرك شُفت "رسالة وداع" بهذه الركاكة والسماجة وانعدام الذوق، وهي موجهة إلى رجل مهذب، كلامه آية في الانضباط اللغوي؟ إن مثل هذه الرسالة دليل على الانحدار المريع الذي وصلت إليه لغة المحاماة، ولو نُشرت في عهد المرحوم مكرم عبيد، المحامي القبطي الشهير الذي كان يحفظ القرآن الكريم، لكان أوصى بسحب درجة "الدكتوراه" من صاحبها، ويا حبذا، لو تم سجنه عاما مع الشغل والنفاذ بتهمة.. "إهانة هيئة المحكمة"!