جلست مثل كل المصريين أمام الشاشة الصغيرة أتابع جلسة النطق بالحكم فى محكمة القرن، وقد بدأت بخطبة عصماء من السيد المستشار القاضى، خطبة بليغة تحلق بسامعيها إلى آفاق رحبة وعوالم مخملية تمتع محبى الأدب العربى، لكن ما هى إلا دقائق معدودة، وانحرف القطار من فوق القضبان وتم ضرب قواعد لغتنا الجميلة بالجزمة، ومرمطة أصولها ومسح البلاط بقواعدها، حتى آيات القرآن الكريم لم تسلم من الخطأ فى تشكيل بعض كلماتها الكريمة. ولو كان المتحدث واحداً أو واحدة من مراسلى برامج التوك شو لسلمنا أمرنا الله، فالمعاناة منهم ليست جديدة، حتى أن الأُذن قد نحّست من كثرة ما تعرضت للنشاذ فى اللغة والركاكة فى الصياغة. لكن هذه المرة المتحدث قاض جليل، وكنت أتصور أن القاضى ضليع فى قواعد اللغة العربية من كثرة قراءاته للقضايا والقوانين والقرآن دستور المسلمين ومصدر التشريع كما تنص المادة الثانية من دستور 1971، لكن القاضى خذلنى مرتين الأولى: بأحكامه، والثانية: بلغته. وتذكرت عندما كان الدكتور رفعت المحجوب رئيسا لمجلس الشعب، حاول أن يضم بعض المحامين إلى سلك القضاء، فكلما علم بذلك الرئيس الذى أصبحت شهرته «المخلوع» طلب منه أن يختار من يضمهم من ضباط الشرطة بدلا من المحامين وكان له ما أراد. وأصبح فى مصر بعض القضاة فى الأصل ضباط شرطة وصلوا حاليا إلى كرسى رئاسة جلسات المحاكم يرفع بعضهم المنصوب ويخسف الأرض بالمرفوع وتحولت أعزة الكلمات على ألسنتهم أذلة. وتطوع الكاتب الصحفى إبراهيم عيسى فى برنامجه السياسى الاستعراضى «السادة المرشحون» وسن سُنة حميدة جازاه الله عنها وعن لغتنا واحساسنا القومى، فقد صحح مقاطع من خطبة السيد المستشار، وكان كلما نطق خطأ لغويا، قام بتصحيحه مكتوبا على الشاشة، تماما كما كان يفعل معنا الأستاذ السعيد عواد فى حصة الإملاء وكان يضع خطاً تحت الكلمة الغلط إملائيا ويكتب باللون الأحمر فوقها الكلمة الصحيحة. وأرجو من إبراهيم عيسى أن يواصل جهده فى تصحيح أخطاء الزعماء المصريين والمثقفين وكثيرهم فى حالة خصام عنيف ودائم مع أجمل لغات العالم اللغة العربية، وأن تنتشر الفكرة على باقى القنوات. ولو شاءت قناة الحياة لفعلت مثل إبراهيم عيسى وكررت ابتكاره فى برامجها ومع ضيوفها، وهى تذيع برنامجا بعنوان «الحياة الآن» الفكرة جميلة والايقاع سريع أما اللغة فأجارك الله لا توجد جملة واحدة تقرؤها المذيعة مها بهنسى يمكن أن تكون منتمية إلى العربية، وتبلغ الركاكة مداها عند نطق اللام الشمسية والقمرية، فهى تحت الأرض بمسافات سحيقة. وأعود لبرنامج «السادة المرشحون» فى جملة اعتراضية معلنا دهشتى فى الشكل الاستعراضى لهذا البرنامج السياسى والمذيع المثقف القارىء بنهم «ورئيس التحرير صاحب التاريخ.. فعبارة «الخيار الاستراتيجى» يدلل عليه بثمرتين من الخيار واتهام الآخرين وتصنيفهم يحتاج منه إلى ختامة وأربعة أختام يرتدى من أجلها قميصا أبيض ويختم عليه بالأربعة فيتحول إلى اللون الأزرق!! فالاكسسوارات المستخدمة من أجل عنصر الاستعراض والطرافه فى البرنامج لا تساعداته على تحقيق هدفه المنشود والذى أتصور أنه سياسى جاد كما عودنا المذيع فى مقالاته وبرامجه الثقافية والسياسية. لغتنا العربية هى هويتنا وقوميتنا وسبق أن ذكرت أن الرئيس العراقى صدام حسين كان قد أصدر قرارا بضرورة أن يتعلم وزراؤه القواعد لغتهم الفصحى وكان يمتحنهم فيها قبل أن يتولوا كما جعل الترقى من وظيفة لأخرى يتوقف على اجتياز اختبار اللغة بنجاح، وذكرت أن الرئيس الروسى فلا ديمير بوتين أمر بمحاكمة ناظر مدرسة ومدرس المواد الأدبية فيها بعد أن اكتشف عدة أخطاء إملائية فى رسالة بعثت بها تلميذة بهذه المدرسة تطلب منه مساعدته فى أمر ما. يا أصحاب القنوات الفضائية لموا مراسليكم وصغار المتحدثين وضعوهم فى فصول لمحو أمية لغتهم. أما بعض كبار المتحدثين الذين يقذفون المشاهد بالطوب والظلط والماء البارد فادعو لهم بالهداية والرشاد وأن يتجمّلوا قبل الجلوس على المنصة أو أمام الكاميرا والميكرفون.. تجمّلوا يا قوم!!