شرع الإسلام للطاعات مواسم ، ميزها رب العزة بجملة من الفضائل ، كزيادة الأجر والثواب ، وقبول الأعمال وما إلى ذلك ، ومن رحمة الله تعالى أنه أكثر لأمة محمد من هذه المواسم ، ومن تلك المواسم ، رمضان وما قبله من الشهور ، ففيها من الخير الكثير ، فعن الطبراني والبيهقي عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَعَرَّضُوا لِنَفَحَاتِ اللَّهِ فِي أَيَّامِ دَهْرِكُمْ؛ فَإِنَّ لِلَّهِ نَفَحَاتٍ عَسَى اللَّهُ أَنْ يُصِيبَكُمْ مِنْهَا بِوَاحِدَةٍ فَلَنْ تَشْقُوا بَعْدَهَا أَبَدًا» فكان ل" " إطلالة سريعة حول فضائل هذه الأشهر وكيف يغتنم المسلم الفرصة للتقرب من الله تعالي وفضل هذه الأشهر من الكتاب والسنة؟. في البداية يقول الدكتور أحمد لطفي أستاذ الفقة المقارن بكلية الشريعة والقانون بتفنها بالأشراف ، أن النبي صلي الله عليه وسلم أرشدنا إلى جملة من الأعمال عند استقبال تلك المواسم ، منها: اعتبار تلك المواسم بمثابة معاهدة صلح مع الله تعالى ، إذ يلجأ العبد إلى ربه نادما على تفريطه في حقه ، مغتنما تلك المواسم ، عله يفوز بعطاء من عطاءات الله فيها ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أشد الخلق فرحا بقدوم تلك الأيام المباركة.ثم الحرص على التطوع في تلك الأيام ، سواء أكان ذلك التطوع بالصيام او الصلاة ، أو الصدقة أو غير ذلك ، فقد ورد في الصحيحين عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط إلا رمضان، وما رأيته في شهر أكثر صياماً منه في شعبان فقد كان يصوم إلا قليلا منه" بالإضافة أن على المسلم تحري الأوقات المباركة في تلك المواسم ، ففي بعضها أيام ذات فضل عميم ، ففي شعبان ليلة النصف منه ، فقد روى ابن حبان عن معاذ بن جبل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يطلع الله إلى جميع خلقه ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن" روي عن أبو بكر البلخي مبينا فضل تلك الأشهر حيث : شهر رجب شهر الزرع، وشهر شعبان شهر سقي الزرع، وشهر رمضان شهر حصاد الزرع. وأشار لطفي أن من ضمن الإرشادات التي أوصانا بها النبي أن على المسلم إعداد العدة ، والاستنفار لاستقبال رمضان ، ذلك الشهر الذي هو مطمع كل تقي ، فيه يأمل العصاة ، ويفرح الأتقياء ، بما يرون فيه من مغفرة الله تعالى ورحمته بجميع خلقه. كما تابع أستاذ الفقة ، على المسلم القيام بالتهيئة النفسية لاستقبال مواسم الطاعات ، وكذلك التهيئة العملية ، فقد كان صلى الله عليه وسلم وصحابته يفعلون أعمال رمضان في شعبان ، تدريبا للنفس وتعويدها ، فقد روى النسائي فعن أسامة بن زيد- رضي الله عنهما- قال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ، لَمْ أَرَكَ تَصُومُ مِنْ شَهْرٍ مِنَ الشّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ! قَالَ:"ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبَ وَرَمَضَانَ،وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِم. ومن جانبة قال الدكتور صلاح سعد استاذ العقيدة والفلسفة ، شهر رجب من الأشهر الحرم التى قال الله عزوجل فيها (إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا فى كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم) وحدد النبى صلى الله عليه وسلم شهر رجب من الأشهر الحرم حيث جاء فى الصيين من حديث أبى بكرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال فى حجة الوداع فقال فى خطبته (إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض السنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم ثلاثة متواليات ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر الذى بين جمادى وشعبان )وسميت بالأشهر الحرم لعظم حرمتها وحرمة الذنب فيها ، قال على ابن أبى طلحة عن ابن عباس :اختص الله أربعة أشهر جعلهن حرما وعظم حرماتهن وعل الذنب فيهن أعظم ، وجعل العمل الصالح والأر أعظم ، وهذا فيه استحباب لزيادة الأعمال الصالحة فى شهر رجب وأكد صلاح ، علي أن بعض العلماء قال فى الحث على الإكثار من الطاعات فى شهر رجب أن من سوّد صفحته بالذنوب جدير به أن يبيضها بالتوبة فى شهر رجب وأنشد فى ذلك:بيض صحيفتك السوداء فى رجب :بصالح العمل المنجى من اللهب،شهر حرام أتى من أشهر حرم:إذا دعا الله فيه داع لم يخب وأما عن فضائل العمل فى شهر شعبان فقال استاذ العقيدة ، عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: قلت يا رسول الله: لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان؟ قال : ((ذاك شهر تغفل الناس فيه عنه، بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، وأحب أن يرفع عملي وأنا صائم)) [رواه النسائي]. وذكر أهل العلم حكما في تفضيل التطوع بالصيام في شعبان على غيره من الشهور: منها: أن أفضل التطوع ما كان قريبا من رمضان قبله وبعده، وذلك يلتحق بصيام رمضان، لقربه منه، وتكون منزلته من الصيام بمنزلة السنن الرواتب مع الفرائض قبلها وبعدها، فيلتحق بالفرائض في الفضل، وهي تكملة لنقص الفرائض، وكذلك صيام ما قبل رمضان وبعده، فكما أن السنن الرواتب أفضل من التطوع المطلق بالنسبة للصلاة، فكذلك يكون صيام ما قبل رمضان وبعده أفضل من صيام ما بعد منه، ولذلك فإنك تجد رمضان يسبق بالصيام من شعبان والاستكثار منه ثم بعد انقضاء رمضان يسن صيام ست من شوال، فهي كالسنن الرواتب التي قبل وبعد الصلاة المفروضة أما عن ليلة النصف من شعبان فقد ذكر ابن رجب الحنبلى فى كتابه لطائف المعارف :أنه ينبغى على المؤمن أن يتفرغ فى تلك الليلة لذكر الله تعالى ودعائه بغفران الذنوب وستر العيوب وتفري الكروب ، وأن يقدم على ذلك التوبة لأن الله تعالى يتوب على من تاب. وتابع سعد ، أن فضل العمل الصالح فى شهر رمضان فلنا فى رسول الله الأسوة الحسنة والقدوة الصالحة ، ففى الصحيين (عن ابن عباس رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أود الناس وكان أجود ما يكون فى رمضان ) ففى رمضان اإكثار من الصدقة وقراءة القرآن وقيام الليل لأن السنات تضاعف فيه . وفي شهر رمضان يزداد اهتمام المسلم برعاية الفقراء والمساكين، فهم يرقبونه لينالوا فضل الله فيه، فأطعم فيه بما تستطيع ولا تغلق الأبواب، وجد بالخير تفز بعظيم الأجر وجزيل الثواب، قال الله تعالى :(الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون( وكم من أعمال صالحة تمت فى رمضان انتفع بها أصحابها فى حياتهم وبعد مماتهم كانت لهم صدقة جارية ، كبناء العيادات الطبية وعلاج المرضى، وتأمين الدواء، وتشييد المدارس والجامعات، وبناء المساجد، وكفالة الأيتام والأرامل، وتزويج الشباب، وقضاء الديون، وتخفيف آلام المفجوعين، ومسح جراحات المنكوبين، ورعاية المسنين وذوي الاحتياجات الخاصة، وسد حاجات المحتاجين وغيرها ، فإن المال يهون على أصحابه فى هذا الشهر الكريم.