مازال الإرهاب الأسود ينتقي أماكن استراتيجية مؤثرة تُتيح الجدل والتسويق الإعلامي معاً داخل مصر وخارجها، في محاولات فاشلة جديدة للزج بالتدخل الأجنبي وترهيب المواطنين في آن واحد، دون أن يدري هذا المخطط أصالة الشعب المصري الجميل وتاريخه الذي يُثقله قوة وإرادة إضافية لمواجهة هذا الإجرام الإرهابي وتحمّله، مثلما تحمَّل صامداً الرياح الإرهابية العاتية التي هبَّت في تسعينات القرن الماضي، وتجاوزها صابراً في سبيل مستقبله ومستقبل أجيال من صلبه، ذلك المستقبل الذي ما أن وعى على نظام يحاول الاستئثار به حتى قام بثورة يناير 2011 ، وما أن اكتشف وقوعه في براثن نظام أراد اختطافه حتى قام بثورة يونيو 2013 في أقل من عامين ونصف! ومازالت الأجهزة الأمنية المصرية تتعامل مع تأمين العديد من المُنشآت الحيوية باستهتار مريب، يفتح الباب من الجديد لحديثي السابق عن الخلل الإداري في المنظومة الأمنية وليس الخلل الأمني، لعلمي الخاص والعام أن الأجهزة الأمنية المصرية تملك من الكفاءات الفنية والقتالية خيرة ضباط وأفراد مصر الشرفاء، لكن بعض الإدارات العليا والقطاعات داخل وزارة الداخلية تحديداً تفتقد التخطيط الإداري الأمني المناسب للمرحلة التاريخية التي تمر بها مصر، تلك القيادات التي لها السلطة العليا في القرارات والإجراءات الأمنية والتأمينية من التحريات وتحريك القوات وتوجيهها وانتشارها وتوزيعها وغيرها، ولا أعتبر ذلك تقصيراً مطلقاً لكنه في ظني قدرات إدارية تقف عند حدود مرحلة مضت، لا ترقي إلى المد الثوري والهم الشعبي الذي تعيش فيه مصر الآن! ومازالت الإدارة المصرية الانتقالية تفتقد أيضاً للحس الثوري ومتطلبات المرحلة الراهنة، ليس في اختيار موظفيها أو معاونيها الجدد فحسب من أدناهم إلى أقصاهم، بل في تدريب جميع الكوادر القديمة الباقية أو توعيتها في التعامل مع الإرهاب وتحسباته المختلفة، لأن ما حدث منذ أيام ثلاثة عند مقر كلية البنات للآداب والعلوم والتربية بمصر الجديدة أبسط نوذج على هذا الإستهتار الإداري، إذ اكتشف أحد العاملين جسماً غريباً ملقى في الشارع فقام بالتقاطه والعبث فيه دون وعي أو خبرة تثقيفية واجبة في التعامل مع مثل ذلك، ودون الاشتباه فيه وإبلاغ الجهات الأمنية المختصة، مما أدى إلى انفجاره وإصابة العامل لأنه كان عبارة عن عبوة ناسفة محلية الصنع، وأشاع الزعر في المنطقة وطالبات الكلية وإدارتها، وتمكن خبراء المفرقعات من إبطال عبوة ناسفة أخرى تم العثور عليها بالمكان، وطبعاً مازالت مباحث القاهرة مكثِّفة تحرياتها لكشف هوية المتهمين بالإضافة لاستكمال تمشيط المنطقة للتأكد من خلوها من أي عبوات آخرى! ومازال العباد الراشدون صابرون باقون في مصر، رغم أنف الإرهابيين ومن والاهم، ورغم بطء السلطات في استحداث الوسائل الكافية لحماية القليل منهم، ورغم الموت المفاجيء الذي نُبتلى بملاكه كل يوم في خطف الأبرياء من المواطنين المدنيين والعسكريين أثناء أعمالاهم أو في الطرقات، ورغم هروب بعض الشباب والكبار إلى بلاد الجاز بدعوى التكوين المادي والتضامن الأسري وبناء المستقبل، تلك الحجج المخذية التي ولئن اختال بها نفر في سنوات سابقة إلا أنه يجب أن يستحي منها الآن في تركه بلاده وأهله في ظرف تاريخي لا يستدعي مطلقاً سوى التهافت على هذا البلد الأمين لا الفرار في أوقات الشدة والعودة وقت الأمان والاستقرار. لقد ذكرتني واقعة كلية البنات بشباب من هذه النوعية يحتمون بقناع المستقبل الآمن حجة للفرار وقت هذا الزحف الإرهابي على بلادهم وأهلها، وشباب آخر حماه الله يعاني الأمرين في حياته اليومية وصلفها، رافضاً الوثوب على أحلام البلاد بدعوى السفر وأحلامه الشخصية، باقياً مكافحاً حتى يحين الإله القادر، مهما كان المصير. [email protected]