كثر الحديث عن الدولة الاسلامية والدولة المدنية خلال الفترة الماضية، ويروج الان في كثير من كتابات الصحف المختلفة تعبير القوى المدنية في مقابل القوى المختلفة معها من التيار الاسلامي فهل الاسلام ضد الدولة المدنية؟ وهل الدولة الاسلامية تعني فقط تطبيق الحدود من قطع يد السارق ورجم الزاني المحصن والصلب وتقطيع الارجل من خلاف لمن يفسد في الارض؟ واي الدول الموجودة حاليا وترفع شعار انها دولة اسلامية تمثل الاسلام هل السعودية ام ايران ام افغانستان ام السودان الشمالي ام تركيا، واي هذه الدول سيختاره الاسلاميون نموذجا يحتذى به اذا ما تسلموا السلطة في المدى القريب او البعيد؟ اذا رجعنا الى كتب فقهاء مذاهب اهل السنة والجماعة القدامى والمحدثون منهم فاننا لن نجد ما يسمى دولة دينية في الاسلام ولكن هناك دولة مدنية، أنشأها الرسول صلى الله عليه وسلم، وكانت تسمى يثرب وقام النبي الكريم بصفته رئيسا للدولة بتغيير اسمها الى المدينةالمنورة اعتزازا بالمدنية، ثم اعلن دستورا لها هو صحيفة المدينة والتي يتساوى فيها سكان المدينة في جميع الحقوق والواجبات واقر هذه الوثيقة مع اليهود من سكان المدينة. اذن فليس هناك تعارض بين الدولة ذات المرجعية الاسلامية والدولة المدنية فالاسلام لايعترف بسلطة رجال الدين في الحكم وليس هناك اصلا في الاسلام رجال دين، ولكن هناك علماء يتم الرجوع اليهم في طلب فتوى معينة وحتى مع وجودهم فقد طلب الاسلام من اتباعه ان يستفتوا قلوبهم في كل المسائل التي تعرض عليهم وقد قال الرسول الكريم "استفت قلبك ولو افتوك الناس" وما شيخ الازهر الا امام مسجد كبير وما المفتي الا موظف بوزارة العدل . وتطبيق الشريعة الاسلامية لا يتم هكذا بدون مقدمات تكفل للناس حقوقهم قبل الواجبات التي تفرض عليهم، ولا يتم هذا قبل صياغة هذه الاحكام في قوانين يوافق عليها مجلسا الشعب والشورى المنتخبين، فقبل تطبيق اي من الحدود كما يقول الدكتور حسن حنفي وهو من اعظم فلاسفة الحضارة الاسلامية الذين يعيشون بيننا من وجهة نظري " لابد ان يعطى الخبز لكل جائع والحرية لكل مضطهد والعدل لكل مظلوم والعمل لكل عاطل والعلم لكل امي والسكن لكل شريد والعلاج لكل مريض", فإعطاء الحقوق في الشريعة سابق للمطالبة بالواجبات، فالشريعة لا تعني الزجر والردع والمنع والردع والجلد وقطع اليد فقط ". اذن نموذج الدولة المدنية في الاسلام هو نموذج دولة المدينةالمنورة والخلفاء الراشدين من بعدها، وليس اي نموذج اخر موجود حاليا، لأن جميع النماذج الموجودة لا تطبق المدنية والشريعة كما يصورها القران الكريم والسنة المطهرة، واغلب التيارات الموجودة حاليا في مصر اذا قلت لهم ان المطلوب هو تطبيق الدولة الراشدة,دولة العدالة والمساواة بين جميع مواطنيها, فأظنهم سيوافقون على هذا، لأن هذه الدولة لن تختلف عن اي دولة مدنية ديمقراطية موجودة حاليا سوى في تطبيقها القوانين المستمدة من القرآن والسنة، والمصاغة في قوانين محددة عن طريق ممثلي الامة في البرلمان. والدولة الاسلامية ليست ضد العلم وهي تتمثل القيم الاسلامية في العصر الحديث، فالاسلام يسعى الى المضمون وليس الشكل، ألم يقل الرسول "الدين المعاملة" وهو ايضا مراعاة مصالح الناس واختيار الأصلح لهم. اذن ليس هناك اي خلاف في المضمون بين تطبيق الشريعة والدولة المدنية الحديثة سوى في السماح ببعض الحقوق التي يستهجنها الجميع وضد الفطرة الانسانية مثل حقوق الشواذ جنسيا، اما غير المسلمين فان الشريعة تفرض علينا ان يتحاكموا الى شرائعهم فقد نص القران الكريم " وليحكم اهل الانجيل بما انزل اليهم".