صناعة إجهاض الثورات وجدت في بلدان كثيرة بعدما ينتفض شعبها لأسباب عدة على نظام اجتماعي او سياسي. مسببات الثورة تتشابه ؛غياب العدل الاجتماعي , تردى الأحوال الاقتصادية,فساد النظام والحكم الفرد ,التهميش المجتمعي والبطالة و أخرى.على نفس السياق نفس إستراتيجية الإجهاض؛ نفس الاتهامات للقوى الثورية, التخويف و التهديدات داخليا و خارجيا. الانفلات الأمني ذاته و صفقات الجنرالات و رجال الصف الثاني من قوى الحكم و أحزابه. القائمون على إجهاضها هم نفس الوجوه؛ مساعدي الديكتاتور و حاشيته غير المعروفة للعامة. خطوات الاحتواء معروفة مسبقا عندما يصبح الأمر حتمي ؛ مهادنة الثورة و الثوار ببعض الإجراءات الصورية ثم السيطرة على وسائل الإعلام و نشر فكرة انتصار الثورة لامتصاص الفورة . صفقة مع جنرالات الجيش لضمان عدم الانقلاب و الحفاظ على المصالح القديمة للمؤسسات لأن القائمين عليها بالأساس أفراد مستفيدون. يقوم بعدها الإعلام بتشويه الثوار وينسب إليهم قائمة التهم الثابتة لكل الثورات:تخوين,عمالة ,تمويلات خارجية و إثارة الشغب والفتن خاصة إذا كان هناك اى بعد طائفي في هذا البلد. ثورات عدة تتقارب مع النموذج المصري في الثورة و أيضا في محاولة الإجهاض.الثورة الرومانية , الأرجنتينية و أقربهم النموذج الاندونيسي من حيث الأغلبية السكانية المسلمة؛التحالف الأمريكي ؛الفساد و انتشار القمع و الديكتاتورية مصحوبا بظروف معيشية سيئة فى ظل انهيار النمور الأسيوية وتهميش الكفاءات فى كل المجالات مع اشتداد القبضة الأمنية . .نعم السيناريو واحد و قائمة الاتهامات واحدة للثوار و أجهزة الأمن بالغة القوة التي تسقط ولا تستطيع كشف اى مخطط للتأمر!!!! لكن النهاية لن تكون واحدة بالنسبة لمصر مقارنة بهذه الثورات. مصر تنفرد بتجربتها و شبابها يمسك مستقبلها بأيديه قبل أن يجيء ، فالقوى الثورية في مصر تقلب المعادلات وتهدم اى سيناريو مسبق للقضاء علي الثورة. الإبداع والتجديد واضح ومن أول أيام الثورة, 25 يناير, عيد الشرطة. دلالة اليوم لوصول الرسالة وهز كيان الدولة بقوة . تكتيكات الرد على معركة الجمل و الدفاع عن الميدان؛ النوم داخل جنازير الدبابات لمنع تضييق مساحة الميدان.معارك أخرى متلاحقة للثوار و محاولة كسر إرادتهم و كلها باءت بالفشل لأن شباب مصر يخوض معركته معتبرا إياها الأخيرة فإما النصر أو الرجوع للمربع الأول , ليس كجولة سياسية يمكن أن تكون لها مكاسب مستقبلية أو تكتيكية ,معركة لو انهزم فيها ستكون معركة خسارة كل ما ناضل من اجله. القوى المناهضة للثورة حاولت على جميع المستويات كسر الإرادة الفردية و الجماعية لأطياف عدة. لعبت على جميع الملفات المعهودة. تخوين واتهامات بالتمويل الخارجي ؛ انفلات أمنى متعمد؛ بث الرعب و الخوف من المؤامرات ومناشدة المواطنين الشرفاء التصدي لهم ( فى كل ثورة توجد هذه الفئة وتناشد) ؛ التهديد من خطورة الوضع الاقتصادي والورقة الأخيرة إثارة الفتنة الطائفية عدة مرات و أخرها وصلت إلى حد الدم فى ماسبيرو ودهس المتظاهرين ليصل الوضع إلى أقصاه .كل مرة وبعد كل معركة كبيرة تنتصر إرادة شعب و تنهزم القوى المناهضة ثم يتم إلصاق التهمة بطرف ليس طرفا بالأساس. تجاوزت القوى الثورية محاولات الفتنة ؛ وحافظت على الزخم الثوري بينها وتحاول بإصرار تصديره مجددا إلى الشارع في صورة تواؤمية وليست تصادمية ؛ احتوت قلة إدراك البعض؛ نظمت المسيرات فى الأحياء للتعريف بانتهاكات العسكر بدلا من أن تنتظر مجيء الناس للتحرير . استجاب الشارع و رأينا الكثير من الاحتجاجات التي جلبت حق المواطنين مثل اجريوم و اسطوانات الغاز في الصعيد وغيرها من معارك كسبتها إرادة المواطن . عدة عوامل أخرى تساعد الثورة المصرية على عملية البناء وفشل الاعتماد على رجال الصف الثاني . لم يكن هناك حزب وطني بالمعنى التنظيمي والوجود الحقيقي على الأرض ، كان مجرد ناد لمصالح لفئة معينة من الناس داخل النظام بالتالي لا يوجد صف ثاني في مصر لإدارة منظمة لعملية الإجهاض او إعادة بناء النظام القديم بشكل إصلاحي كما حدث في اندونيسيا على يد بشار الدين حبيبي نائب سوهارتو و الذي قام بإصلاحات جدية وعديدة ساعدت في التحول الاندونيسي اليوم. في رومانيا كان هناك حزب شيوعي قوى ذو شعبية وتنظيم وإدارة داخل البلاد استطاعت احتواء المد الثوري , فبرغم حالة التردي المعيشي على جميع المستويات التي كان تعيشها رومانيا كان الشعب يرى المشكلة في شخص الرئيس و ليس الحزب . حتى في البرلمان وبعد النقاش المحتدم والأحكام القضائية الخاصة بترشيح الفلول الشعب قال كلمته وعزل بقايا النظام بصناديق الانتخاب دون مساعدة أحد. المد الثوري موجود وموجات الثورة تكبر وتنمو بفضل المسئولين عن الفترة الانتقالية، فالمجلس العسكري له وجهة نظره من الثورة المبنية على أساس أنه جزء من النظام القديم وجزء من العقلية القديمة أيضا , إنها زاوية مختلفة تساعد فقط في زيادة المد الثوري . ما لم يتعلمه مهندسو الإجهاض أن الثورة تنجح في الأخير حتى لو استشهدنا بالمثال الأسوء في رومانيا فهي الآن عضو في الاتحاد الأوروبي الثورة مستمرة الثورة الرومانية لم تستغرق أكثر من اسبوع ضد ديكتاتور فاشى كان يلقب نفسه بالقائد الملهم العظيم و دانوب الأفكار(نسبة الى نهر الدانوب). كان يحكم هو و زوجته و كان يعيش فى رغد و ترف بينما كان شعبه يعيش تحت خط الفقر .اشتدت حدة المظاهرات فهرب تشاوتشيسكو و لكن تم القبض عليه بعدها و محاكمته "صوريا" وإعدامه فورا .