فى 4 نوفمبر 2006 كتبت خبرًا فى الصفحة الثانية بجريدة الأهرام لا تتعدى كلماته الخمسين، وكان الخبر بعنوان "محافظ قنا يخوض حرب الحمير"، تناولت فيه بطريقة ساخرة ما كان يقوم به المحافظ من فرض غرامات على "الفلاحين" الذين يركبون حميرهم ذهابًا وإيابًا من البيت إلى السوق والعكس. والغريب من وجهة نظرى فى هذا الأمر أنه وصل لدرجة إعداد "أكمنة" خاصة، مهمتها مراقبة وتتبع من يركبون الحمير، حتى وصل الأمر بالناس من كثرة شكواهم وقلة حيلتهم لمطالبة المحافظ بتخصيص شوارع معينة لسير الحمير حتى يتمكنوا من مباشرة أعمالهم ولا يسيئون إلى المظهر الحضاري للمحافظة. وفى اليوم التالي 5 نوفمبر فوجئت بالأستاذ الكبير أحمد بهجت يكتب عموده "صندوق الدنيا" بعنوان "حرب الحمير" ناشرًا الخبر الذى كتبته ومشيدًا به، ولم يتوقف عند هذا الحد بل استطرد قائلاً: من الذي قال إن المظهر الحضاري للشوارع يتأثر بوجود الحمير، وإن الحمير تتحول إلي عبء عليه بمجرد ظهورها فيه؟ من الذي قال هذا في بلد أغلبية سكانه من الفلاحين؟ إن الحمير كانت وما زالت من أهم أسباب نهضة هذا البلد، لقد حملوا أثقال البشر وجروا متاعهم، واحتملوا رزالتهم، وتعرضوا لشتائمهم، ونزلت علي ظهورهم ضرباتهم، ورغم ذلك احتملوا كل شيء، لم يتذمروا، ولم يهملوا، ولم يفكر أحدهم في الهجرة، كل ما فعلوه أنهم نهقوا بعزم ما فيهم، وكانوا ينهقون بأكثر من أسلوب موسيقي، ويجأرون إلي الله بالشكوي من ظلم الإنسان لأخيه الحمار المغلوب علي أمره. لقد دخلت الحمير حياة الشعب المصري منذ آلاف السنين، وأسهمت في بناء الحضارات الأولي التي بدأت بالزراعة، وارتبط الحمار برزق الفلاح المصري. ونحن نناشد محافظ قنا اللواء مجدي أيوب أن ينظر بعين اللطف والعدالة إلي المشكلة كلها، وأن يرفع الغرامة عن الفلاحين وحميرهم. إن هذا الكلام الذى كتبه أستاذنا أحمد بهجت، غيّر تفكير شاب "صعيدى" كان يحبو فى مجال الصحافة، وأصبحت أنظر للأشياء - كل الأشياء - نظرة مختلفة، وكم هزتنى جملة "ظلم الإنسان لأخيه الحمار المغلوب على أمره" فأنا من كان يضرب الحمار فى الصغر، أصبحت أتمنى ضرب "الحمار" الذى يضرب الحمار. وفى اعتقادي الشخصي أن المهمة الأساسية لأى كاتب هى تغيير فكر القراء.. رحم الله أستاذنا أحمد بهجت لما قدمه من فكر مستنير، وجعلنا على الدرب سائرين.