الصدفة وحدها قادتني لجمع بعض القصص عن 25 يناير، قررت بعدها أن أروي هذه القصص في كتاب، وكتبت ذلك على الحساب الخاص بي على موقع ” الفيس بوك”، وكأي مشروع أبدأه تكاسلت عن هذا المشروع أو تاه مني في زحام الوظيفتين اللتين أباشرهما -فقدت الأولى صباحا والثانية على وشك أن افقدها- حتى تلقيت خبر فقداني لوظيفتي الأولى صباح اليوم، وقمت بعدها لأتفقد بريدي الالكتروني لعلي أجد فيه موافقة على طلبات العمل التي ارسلتها إلى عدة أماكن، ولكن كالعادة لم أجد شيئا وعوضا عن ذلك وجدت رسالة مجهولة كدت ان احذفها دون أن أقرأها كعادتي لكني بالخطأ فتحتها ووجدت بها ما جذبني لقرأتها. الرسالة هي قصة يتحدث مرسلها عن السبب الحقيقي لمشاركته فى الثورة، تقول الرسالة: لا أظن أن أحدا قد يتعاطف معي، أنا نفسي لا أتعاطف معي، أنا باختصار عميل لمباحث أمن الدولة كيف ومتى لاأدري كيف أصبحت هكذا أو متى؟ فأنا أمارس العمل السياسي منذ سنين بدأتها وأنا ذلك الشاب المثقف ذو اللسان اللاذع والحماس الذي لا ينضب، لم يكن ليفوتني موعد فعالية، تعرضت للاعتقال، كنت هذا الفتى الذي تسارع كل التيارات لضمه لها. ماذا حدث بعد ذلك لا أذكر فجأة تورطت لأصبح بين يوم وليلة عميلا لأمن الدولة الذي طالما احتقرت العاملين فيه، هل شاهدت فيلم “معالي الوزير” ؟ هل شاهدت وصفه للضابط الذي جنده؟ هكذا كان عادل بيه، رأى في من اللحظة الاولى حب النجاح، ونقص الاصدقاء كان يبويخني كثيرا لكن فى اللحظة المناسبة يحتوينى؟ مازالت أحب هذا الشخص وأتساءل عن مصيره لا أعرف لماذا؟ المهم تورطت لم أكن مضطرا بالمرة لذلك؟ ولكني تورطت ووجدتني لا استطيع الابتعاد؟ وانتهي الأمر، حينها بررت الأمر لنفسي، كانت حجتي الأولى الفساد الذي اراه داخل الوسط السياسي، فلان الذي يأكل حقوق الناس، وعلان الذي يتعامل مع النظام، وآخر يتخذ من الشلة أسلوبا لإدارة حزبه، واخرون يعشقون السلطة، وهولاء يزورون الانتخابات الداخلية، وهذا يتلقى اموالاً من دول عربية وآخر يتلقى أموالا من الولاياتالمتحدة، هكذا بررت لنفسي واتخذت على نفسي عهدا لم التزم به وهو إلا اكتب تقارير عن تنظيم بعينه انضممت له إلا أنني بعد فترة نقلت أخباره لانه كان مثل غيره فاسد، ومرت السنوات وأنا هكذا عميل لا القي بالاً سوى لهذا العمل وخوفي من عادل بيه ومحاولة نيل رضاه لانني اريد أن يكون صديقي. الطريف فى الامر أن مرتبي الذي كنت اتقاضاه لم يكن بالحجم الذي أتخيله، والذي يشاع عن عملاء أمن الدولة من تلقي أموال ضخمة، كما أن عملي لم يكن بالأهمية فكل ما أفعله هو حضور الاجتماعات ونقلها فقط، كنت أعلم علم اليقين أن ما اتقاضاه منهم حرام لكنه على اي حال لم يكن يذكر. وجاءت ثورة 25 يناير لم اقتنع أنها ستكون ثورة، واعتقد أن الجميع لم يتصوروا أنها ستكون ثورة شاركت فى المظاهرات وذهبت إلى منزلي متعبا فالقيت بجسدي على الأريكة أمام التليفزيون ونمت، فى الصباح التالي وجدت الأخبار عن اعتقالات ومظاهرات طوال الليل. شاركت بعدها فى عدة مظاهرات حتى جاء يوم 28 يناير، لم أنزل من منزلي يومها خشية الاعتقال وبناء على التعليمات التي تلقيتها الخميس ليلاً، لم أكن اتصور أن يسقط قتلى، أقصى ما تصورته أن يكون هناك اصابات خفيفة، واعتقالات لا أكثر ولا أقل، حتى الشهيد مصطفى الصاوي الذي سقط بالسويس لم افكر فيه تخيلت الامر سينتهي كإضراب 2008 شهيد أو اثنين وانتهى الأمر. انتهى يوم جمعة الغضب دون أن اعرف شيئا سوى بضع لقطات من قناة الجزيرة، ومشاهد مستفزة من التليفزيون المصري في ظل انقطاع الانترنت. بعد عودة الانترنت، جلست اتابع الثورة فيديو، كنت فد بدأت أرى أمكانية الثورة ولم اخشى حينها سوى على الأوراق التي وقعت عليها فى أمن الدولة، وفي ظل تصفحي للانترنت وخاصة موقع اليوتيوب وجدت مقطعا هزني بصورة شديدة، لمسني من الداخل. المقطع كان بعنوان اغتيال متظاهر، ظهر فيه أحد الشهداء بالاسكندرية يفتح صدره لمجرمين من مجرمي الشرطة ويتحداهم ليعلن أنه يرحب أن يكون شهيدا من أجل الحرية ومن أجل مصر، ليغتاله الضابط بدم بارد، لم أرى وجه الضابط ولا وجه الشهيد فالمقطع صور من اعلى، لكني تخيلت وجهه حينها، وهو يقول لماذا؟ لماذا قتلتني؟ تخيلته يواجهني لماذا عملت لدى من قتلوني؟ لم استطع النوم ليلاً، طوال الليل صور الشهداء تحيط بي تتشاجر معي، تخيلت موقفي أمام الله يوم القيامة والشهداء يقتصون مني أمامه المشكلة اني لم أتخيل هذا المنظر قبل ثلاث سنوات حين سقط شهداء المحلة. في الصباح الباكر اتصلت بعادل بيه؟ كانت مكالمتي قصيرة جدا طلبت مقابلته، قابلني خارج مكتبه، قلت له بالنص” اللعبة اتقلبت جد، وانا مش هاتحمل دم، ولم يناقشني عادل بيه فقد كان منشغلاً، انتهت مقابلتي وتركته لأرحل ليس لمنزلي ولكن للميدان لاتطهر من ذنبي، واولد من جديد مرة أخرى في ميدان الحرية.