لا يقاس الإنجاز الذي حققه الشعب التونسي منذ 14 جانفي بالزمن... كما لا نتوقع تحقيق استحقاقات الثورة مع تسلم الحكومة الجديدة للسلطة. فالمشوار لا يزال طويلا، بل إن التحديات الحقيقية ستنكشف مباشرة بعد تسلم هذه الحكومة لمهامها، فالتعتيم الإعلامي الذي خيّم على نشاط الحكومة المؤقتة تحت غطاء حكومة تصريف أعمال يجب أن يقابله اليوم إفصاح عن ما قامت به واتخذته من قرارات تترجم إلى مراسيم مشاريع قوانين. ولا يمكن أن نتحدث اليوم عن استمرارية الدولة في غياب مساءلة أعضاء الحكومة المؤقتة. ولعل تزامن تسلم السلطة مع الإعداد لميزانية الدولة وقانون المالية لسنة 2012 يفرض هذا التصرف، باعتبار أن الآليتين هما الإطار الذي تتحرك فيه الحكومة والدولة بصفة عامة، وأي موافقة آلية على مشروعي ميزانية الدولة وقانون المالية دون مساءلة سيسقط البلاد في متاهات الحركات الاحتجاجية، باعتبار أن هذه المشاريع و الأطراف التي قامت بالإعداد له -أو أغلبها- لم تقطع بعد مع عقلية النظام السابق، بل هناك من ذهب إلى أبعد من ذلك للقول إنها واصلت تثبيت مصالح بعض الأطراف على حساب مصالح الشعب، من خلال إصدار عدد من المراسيم، وإقرار عدد من الإجراءات تتناقض في جوهرها مع استحقاقات الثورة، ومطالب الشعب التونسي الداعية إلى العدالة الاجتماعية والجبائية بصفة خاصة، والعدالة الانتقالية بصفة عامة. لقد شرعت الحكومة المؤقتة وربما هي انتهت من وضع آليات تنفيذ برنامج التنمية للسنة المقبلة على أساس ثوابت هي في ظاهرها محل وفاق من قبل الأحزاب التي فازت في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي، والمتمثلة في العدالة الاجتماعية والتشغيل والتنمية الجهوية. إلا أن هذه الآليات لم تخضع إلى موافقة الهياكل الدستورية، باعتبار طبيعة المرحلة، كما أنها لم تخضع إلى مراجعة، باعتبار أن الثورة لم تشمل الإدارة التونسية وطرق عملها ومنهجية تعاملها، وبالتالي فإن تسلم الحكومة الجديدة للسلطة دون التوقف عند التدقيق والمراجعة والمساءلة- ولم لا؟ المحاسبة على الأقل بخصوص المراسيم والإجراءات التي اتخذت منذ جانفي الماضي- لن يساعد الحكومة الجديدة على إرساء مقومات العدالة الانتقالية التي تعتبر شرطًا أساسيًا للاستجابة لتطلعات الشعب. في حين ترى بعض الأطراف أن الدخول في مسار المساءلة والمحاسبة سيؤجل الموافقة على مشروعي ميزانية الدولة وقانون المالية، تؤكد أطراف أخرى ضرورة ادماج استحقاقات الثورة المتمثلة أساسا في مستوى التنمية، وفي التشغيل والتنمية في الجهات من زاوية مختلفة، وفي إطار رؤية جديدة تستند إلى تطهير الإطار التشريعي من كل رواسب الفساد من جهة، وإرساء مقومات العدالة من جهة أخرى. ويبقى أول وأهم محك للحكومة الجديدة مضمون ميزانية الدولة وقانون المالية لسنة 2012 ،ومدى قدرتهما على ترجمة استحقاقات الثورة إلى فعل اقتصادي واجتماعي. ----------------------------------------- عن صحيفة " الصحافة" التونسية