تمر هذا الأسبوع الذكرى ال 14 على رحيل الكاتب الكبير سعد الدين وهبة. اعتبر المثقفون من محبى وهبة أن قبول العضوية الكاملة لفلسطين فى اليونسكو مع بداية شهر نوفمبر الجارى والرفض الإسرائيلى للقرار أفضل طريقة لإحياء الذكرى الرابعة عشرة لرحيل الكاتب الذى رفع لواء رفض التطبيع مع العدو الإسرائيلى محليًا وعربيًا، والذى رحل عنا فى الحادى عشر من نوفمبر عام 1997. ولد محمد سعد الدين وهبة فى 4 فبراير 1925، والتحق بمدرسة دمنهور الابتدائية وهناك حيث كان يعيش وحيدًا عرف الطريق إلى مكتبة البلدية التى كان يتردد عليها عقب انتهاء اليوم الدراسي بشكل شبه يومى، وفي دمنهور شاهد السينما الناطقة -لأول مرة- وشاهد فيلم "الوردة البيضاء" في أول عرض. وفيها شاهد مسرحيات يوسف وهبي "الدفاع" و"راسبوتين" وغيرهما في مسرح البلدية - أوبرا دمنهور الآن. التحق بعد ذلك بمدرسة دمنهور الثانوية وقضي بها السنتين الأولى والثانية، ثم انتقل مع والده إلى الإسكندرية والتحق بمدرسة الرمل الثانوية، وفي الإسكندرية شاهد مسرحيات الفرقة القومية على مسرح "لونابارك" وتفتح وعيه على لون جديد من المسرح.. وفيها أيضًا عرف طريقه إلى باعة الكتب والمجلات القديمة.. فقرأ توفيق الحكيم في إنتاجه القديم وقرأ الأعداد القديمة من مجلتي الرسالة، والثقافة الجديدة. وما أن حصل على شهادة التوجيهية حتى أصر والده على إلحاقه بكلية البوليس التي تخرج فيها عام 1949، وتم تعيينه بمركز منوف بمحافظة المنوفية وقضى بها سنة قبل أن ينقل عام 1950 إلى بوليس الإسكندرية. وفي عام 1951 التحق بكلية الآداب قسم فلسفة حيث تتلمذ على يد الأساتذة أبو العلا عفيفي ويوسف كرم وثابت الفندي، وتخرج منها عام 1956وفي مارس 1958 أصدر مجلة "الشهر" الأدبية وترأس تحريرها وكان من كتابها عباس محمود العقاد ومحمد مندور ورشاد رشدي ومحمود أمين العام، ومن الشباب محمد زكي العشماوي ورجاء النقاش وسليمان فياض ومحفوظ عبد الرحمن ومحمود السعدني وأحمد عبدالمعطي حجازي. وتم تعيينه عام 1959 سكرتيرًا لتحرير جريدة الجمهورية ثم مديرًا لتحرير مجلة الإذاعة ثم مديرًا لتحرير الجمهورية من يونيو 1961 حتى 5 سبتمبر 1964، وقضى في وزارة الثقافة ستة عشر عامًا من أول سبتمبر 1964 حتى 16 سبتمبر 1980 عندما قدم استقالته قبل أربع سنوات ونصف من بلوغه سن التقاعد بسبب الخلاف مع الرئيس السادات حيث اعتبرته إسرائيل عقبة في طريق التطبيع وعمل خلال هذه السنوات في العديد من وظائف الوزارة وانتخب الراحل سعد الدين وهبة نقيبًا للسينمائيين ورئيسًا لاتحاد النقابات الفنية. دورتين متتاليتين من 1979 حتى 1988وفي 1987 أسس الاتحاد العام للفنانين العرب 1997 وانتخب رئيسًا له حتي رحيله عام كما انتخب قبل رحيله رئيسا لاتحاد كتاب مصر. وفى 19 يناير 1981 أصدر اتحاد النقابات الفنية برئاسته قرارًا برفض التطبيع مع إسرائيل بعد عامين من توقيع اتفاقية "كامب ديفيد" جاء فيه "ممنوع منعًا باتًا التعامل بأي شكل من الأشكال الفنية مع إسرائيل، ويعلن عن ذلك في جميع النقابات وسيعاقب كل من يتعامل معها من أعضاء النقابات الثلاث بالفصل من النقابة. ورغم طغيان شهرته ككاتب مسرح على إبداعاته إلا أن المسرح كان أحد روافد حياته الإبداعية فقد كتب للسينما كما كتب القصة القصيرة والمقال السياسي والأدبي والفن ومارس الكتابة الصحفية والإبداعية بجميع أشكالها. تحتل كتاباته السينمائية -رغم قلة عددها- مكانة متميزة في تاريخ السينما المصرية والعربية وإن تنوعت مساهماته بين كتابة القصة السينمائية أو السيناريو والحوار.. وإن تميزت جميعها بالجدية والأصالة وارتفاع المستوى الفني والفكري وأفلامه هي زقاق المدق، عروس النيل 1963، أدهم الشرقاوي 1964 ، الحرام 1965، مراتي مدير عام 1966، الزوجة الثانية 1967، أرض النفاق 1968، أبي فوق الشجرة 1969، شقة مفروشة للإيجار، سوق الحريم 1970، شباب في العاصفة 1971، أريد حلا 1978، آه يا بلد 1986، حيث تم اختيار أربعة من هذه الأفلام ضمن أهم مائة فيلم في تاريخ السينما المصرية في الاستفتاء الذي نظمه مهرجان القاهرة السينمائي في دورته العشرين بدأ حياته الفنية كاتبًا للقصة القصيرة فأصدر مجموعته القصصية "أرزاق" 1958 وقد التفت النقاد إلى بعض السمات الغالبة عليها فرأوا أنها تعتمد في كثير من جوانبها علي عنصر الحوار، وأن الكاتب يؤثر الأسلوب الحي السريع، والحركة المتطورة على الوصف والتحليل وهو أسلوب الكاتب المسرحي. ودفعه عشقه للفن المسرحي إلى قراءة المسرح العالمي بالإنجليزية فشعر من خلال قراءته للأدب الغربي المسرحي برهبة من الكتابة للمسرح فظل يكتب القصة إلى أن أجمع النقاد أن مؤلفها لا بد أن يكون مسرحيًا مما شجعه على الكتابة للمسرح. وشهدت خشبة المسرح القومى فى ديسمبر عام 1961 تقديم مسرحية "المحروسة" وهى من الإبداعات الأولى للكاتب الراحل سعد الدين وهبة، ثم توالت مسرحياته حتى بلغت ثلاث عشرة مسرحية كاملة.. وفي عام 1980 صدرت مجموعة مسرحياته ذات الفصل الواحد بعنوان "الوزير شال الثلاجة"، إلى جانب مجموعة أخرى من المسرحيات نشرها في جريدة الأهرام بين عامي 1977- 1978 وكتب سعد الدين وهبة أولى مسرحياته "رأس الحكمة" عام 1959 بالفصحى حيث كتبها لتنشر فلم يكن -وقتها- قد فكر في ضرورة التواصل مع الجمهور. كانت اللهجة العامية هى الغالبة على مسرحياته ولم يلجأ لاستخدام الفصحى إلا للضرورة الدرامية عندما كان يستنطق شخصيات تاريخية بالفصحي مثلما أنطق الجبرتي وأحمد عرابي في مسرحية "سبع سواقي" أو السلطان والمرأة في "يا سلام سلم الحيطة بتتكلم" وإن كان قد لجأ إلى الكتابة بالفصحى البسيطة التي تكاد تقترب كثيرًا من لغة الحديث العادي رغم فصاحتها وخلال مشواره المسرحي صودرت له ثلاث مسرحيات هى "الأستاذ" و"اسطبل عنتر" و"سبع سواقي" والتي أجازتها الرقابة ورفضها الاتحاد الاشتراكي، ثم كتب مسرحية "يا سلام سلم الحيطة بتتكلم" التي تسببت في اجتماع الأمانة العامة للاتحاد الاشتراكي للمرة الأولى والأخيرة لتناقش نصا مسرحيًا وأجيزت هذه المسرحية بعد تعديل 52 مشهدًا حذفت وتم عرض المسرحية في نوفمبر 1970.. ومنذ هذه اللحظة اتجه إلى مسرح القطاع الخاص "الذي قدم له "سد الحنك"، "سبع ولا ضبع" و"8 ستات وجاءت مسرحيات الفصل الواحد كأنها سهم يوجه إلى أوجه القصور في حياتنا التي رأها تنقلب رأسًا علي عقب.