.فوز حزب النهضة التونسي ذو التوجه الإسلامي بأغلبية ساحقة في انتخابات ما بعد الثورة التونسية أثار دهشة الكثيرين خاصة أن تونس كانت ترزح لعقود تحت نير نظام حكم علماني مستبد والمثير للاستغراب والدهشة أكثر أن 42 إمرأة من أصل 49 ممن انتخبن من النساء في المجلس التأسيسي ينتمين لحزب النهضة مفارقة تستدعي الوقوف عندها والتساؤل حولها خاصة أن المرأة في ظل النظام السابق حققت مكتسبات مدنية مزعومة مغايرة لما هو مطبق في الدول العربية وأحكام الشريعة الإسلامية وذلك من خلال قانون الأحوال الشخصية التونسي الصادر عام 1956 والذي نص على المساواة التامة بين المرأة والرجل وتضمن : حظر تعدد الزوجات ومعاقبة من يرتكب هذه الجنحة بالسجن لمدة عام وبعقوبة مالية يقدرها القاضي مع اعتبار الزواج الثاني باطل، وزواج المرأة المسلمة من نصراني أو يهودي، وإعطاء أبناء الزني الحق في حمل اسم الأب والحق في ميراثه كالأبناء الشرعيين ومساواة الرجل والمرأة في الميراث وفرض توحيد ملكية الدخل المالي بين الزوج وزوجته تحت مسمى قانون الملكية الزوجية المشتركة كما هو متبع في قوانين الدول الغربية ويعني ذلك قسمة ممتلكات الزوجين مناصفة بينهما بعد الطلاق دون التقيد بحرية الذمة المالية للمرأة أو الرجل على حد سواء، هذا إلى جانب العديد من القوانين المدنية التي تتعلق بالمرأة وصدور مرسوم رئاسي في ظل النظام السابق يعتبر هذه الاحكام جزءاً لا يتجزأ من دستور البلاد لا يملك أحد تغييره في ظل مكتسبات المرأة المدنية المزعومة وفي أعقاب فوز حزب النهضة الاسلامي. هل ستكون هناك تغييرات في هذه المكتسبات عند كتابة الدستور الجديد؟ تصريحات زعيم حزب النهضة الغنوشي خلال مؤتمره الصحفي الذي أعقب الفوز مباشرة والذي أكد فيه إيمانه بمبدأ الوفاق الداخلي وحقوق المرأة التونسية ومكتسباتها وحريتها في ارتداء الحجاب من عدمه، وأهمية مشاركتها في صناعة القرار السياسي بما يمنع الارتداد عن المكاسب التي حققتها وقوله بأن الديمقراطية للجميع وليست لأحد. تصريحات رائعة أعقبها بعبارات قوية مؤثرة : (لا نريد تحويل الناس إلى منافقين). (وأحب إلينا أن نرى وجوهاً عارية من أن نرى وجوهاً منافقة). هذه المقولة الرائعة هل ستستمر يا ترى في ظل تحديات تناحر بين تيارات وأحزاب متعددة ومحاولة بناء دولة وطنية ديمقراطية؟ التساؤلات في هذا الجانب عديدة والمخاوف والظنون كذلك متعددة ولكن التوقعات الإيجابية أكثر في ظل النوايا الصادقة والجهود المخلصة في بناء الوطن والحفاظ على مكتسباته ومقدراته والتعاون الواضح بين أبنائه نساء ورجالا على اختلاف أحزابهم السياسية وأيديولوجياتهم وتياراتهم الإسلامية والحداثية ومدى نجاحهم في تجاوزهم عن المكاسب الشخصية وإصرارهم على تحقيق المكاسب الوطنية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية التي حرموا منها لسنوات عدة. بسبب نظام علماني أجبر مجتمع مسلم على علمنة قوانينه رغمًا عنه إرضاء لدول غربية تربطه بها علاقات متينة، وسيكون للمرأة التونسية قرار الحسم في هذه التحديات والتمييز بين المكاسب المدنية والمكاسب الحقيقية التي شرعها الله لها. نسأل الله العلي القدير التوفيق والسداد لأشقائنا الأعزاء في تونس، والاستقرار والرفعة لهم ولأوطانهم. ---------------------------------- عن صحيفة " الراية " القطرية