القذافي مجرم بحق شعبه، هذا صحيح، والقذافي ديكتاتور بدد ثروة بلاده على معارك خائبة، وهذا أيضا حقيقي، والعقيد أو الولد بتاع ليبيا كما وصفه السادات مجنون ،وهو ما تأكد في آخر أيامه خلال خطابه الشهيرالذي بدأ فيه تائها وهو يشبه خصومه بالجرذان، لكن هل يبرر ذلك كله قتله بهذه الطريقة البشعة بعد إعتقاله حيا؟ هنا سيبادر أعداء الرجل خاصة ثوار ليبيا وأنصارهم إلى استدعاء تاريخ القذافي الدموي وما ارتكبه بحق الليبيين من عمليات قتل واغتصاب على يد كتائب يقودها أبناؤه الذين فر منهم من فر وقتل من قتل، وسيستدعي هؤلاء الحصار الغربي الطويل على ليبيا بعد مغامرة لوكيربي وما تبعها من تعويضات مالية ضخمة من أموال الشعب الليبي، كلها وقائع معروفة ولا تحتاج الى تذكير، غير أن السؤال يظل ملحا هل يعطي هذا الحق في القتل من دون محاكمة وعلى مرأى ومسمع من العلم كله؟ هل كانت قوات حلف شمال الاطلسي (الناتو) ستقتل القذافي إذا أمسكت به، ولم تترك مثل هذه المهمة لأبناء جلدته؟ هل كان أي جندي غربي سيتجرأ على قتل الرجل بعد القبض عليه حيا؟ هل فعلها الأمريكيون مع صدام حسين بعد اعتقاله كما زعموا داخل حفرة؟ ألم يخشى هؤلاء صورتهم في نظر العالم باعتبارهم قلاع الحرية وحصون الدفاع عن حقوق الحيوان قبل الإنسان؟ ألم تسيء التكبيرات والتهليلات التي أطلقها ثوار ليبيا لحظة قتل القذافي إلى الإسلام الذي يزعمون رفع لوائه؟ ألم يتوسل لهم الرجل لعدم قتله وهويصيح "متقتلونيش أنتم أولادي"؟ وهو ما ذكرنا بكلمات صدام قبل إعدامه لمن جاءوا للتشفي فية في يوم عيد الأضحى بقوله "هيك مرجلة". لقد أختار"الناتو" تهيئة المسرح لقتل القذافي شر قتله، لكن بأياد غير غربية، لتظل دماء قتل الأسير في رقاب أصحابها، وهو ما فعله الأمريكيون عندما جهزوا محاكمة صدام وظلوا يعبثون من خلف ستار ليبدو الحكم بالإعدام ولحظة التنفيذ مسؤولية الآخرين، وهي طريقة لا تعفي الناتو أو العم سام من المشاركة في العودة بنا إلى شريعة الغاب، والقتل بلا محاكمة وخارج القانون، وتصوير العرب والمسلمين بالشعوب الهمجية التي لا ترعى حقوق الأسير أو تعرف تنفيذ القصاص بطريقة أكثر أكراما للإنسان حتي وأن كان مذنبا، على عكس من يدعوا إليه ديننا الحنيف. قلنا ونقول أن القذافي مجرم بحق شعبه، ما كان يجب قتله من دون محاكمة عادلة تكفل له الدفاع عن نفسه وإن أرتكب آلاف الجرائم، ألم يحاكم الغرب النازيين الذين أجرموا بحق ملايين البشر في الحرب العالمية الثانية؟ ألم يعطي الغرب سفاح البوسنة والهرسك وكوسوفو ميلوسوفيتشحق الدفاع عن نفسه أمام المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي؟ هل تم قتله لحظة الإمساك به قصاصا لأرواح ضحاياه بعد ارتكابة جرائم حرب بحق الأبرياء من المسلمين العزل؟ أعتقد البعض أن ثوار ليبيا الذين انهو حكم القذافي بمساعدة قوات الناتو سيكونون الأكثر تمسك بإقامة العدل حتى مع قاتل أخوانهم وأبنائهم، وألا يتحول ربيعهم إلى خريف مبكر، بعد أن شوه قتل القذافي بهذه الطريقة البشعة صفحة أردناها بيضاء في سجل غير ملطخ بالدماء. تعاطفنا مع ثوار ليبيا طيلة الأشهر الثمانية الماضية ونحن ننتظر لحظة خلاصهم من نظام جثم على نفوسهم أكثر من أربعين عاما، وتطلعنا أن ينظروا إلى الأمام، وأن يتحلوا بأخلاق الثوار، وأن يتعالوا على الجراح، وأن يقدموا نموذجا لليبيا جديدة خالية من الانتقام، وثأر الجاهلية الأولى ، وعدم مراعاة أحكام القانون الذين وعدوا باللجوء إليه في دولتهم الجديدة، غير أن كل ذلك تبخر، وتحول إلى حقد أسود، لا يبشر بخير، وأنما يبعث على الخوف من مجهول تخفيه الأيام ويخبئه الثوار في ضمائرهم بعد أن ثبت أنهم يظهرون عكس ما يبطنون، وتلك آفة يخشى منها أن تلتهم أفضل ما في الربيع العربي وهو الأمل في الغد.