فى السياسة كل شىء مباح حتى أغرب طُرق الزواج التى تظل محل اختلاف حول شرعيتها (إما زواجا صحيحا، أو زنا فاحش) ولكن هُنا لا تتبقى إلا المصالح.. هى السياسة إذن!! ولأن نظام مُبارك المُنهار قد خلَّف وراءه أنقاضا من المُطلقات وما ملكت يمينه بلا عائل يُنفق، أو حتى شريك يؤنس، فإن سوق المُتعة قد راجت بضاعته ونشطت أسهمه خاصة مع بداية الموسم الانتخابى الأول.. ربما كانت مراسم الزاوج (الباطل) بين الثروة والسلطة هى الأكثر إثارة وجذبا للأنظار فى نهايات عهد المخلوع، مما ساعد على سرية الزواج بين السلطة والمؤسسات والجماعات الدينية بالتحديد.. الطرق الصوفية مثلا كإحدى ‘‘الجماعات الدينية‘‘ المُنظمة عبر مجلس أعلى مُنتخب، وسلسلة من قيادات ومشايخ الطرق فى المحافظات والمراكز والقرى والنجوع لم تكن بعيدة عن الاستخدام السياسى المؤثر والحاسم أحيانا فى قبضة النظام كما قد يظن البعض على وهم أنه من المعروف تاريخيا أن الصوفيين لا يشتغلون أو ينشغلون بالسياسة إلا فى حالة الدعوة للجهاد، وهذا غير صحيح.. نظام مبارك كان بارعا فى استخدام كل الجماعات حتى تلك التى تناهض السياسة والثورة والثوَّار باعتبارها أعمالا مؤثمة.. فيما يخص الصوفية بالتحديد على ما يبدو أن رجل الأعمال الشهير جدا نجيب ساويرس كان هاتكاً لسرية هذا الزواج وربما شاهدا عليه للدرجة التى مكنته من اقتناص الطريقة الرفاعية وضمها إلى حزبه ‘‘المصريين الأحرار‘‘ وذلك فور انقضاء العدة الشرعية، أو اليأس من عودة الزوج المُغيَّب خلف أسوار سجن طرة.. ولكن ما الذى يغرى ساويرس وحزب ‘‘المصريين الأحرار‘‘ فى الصوفيين والطريقة الرفاعية بالتحديد؟! الطريقة الرفاعية تُشكل ثُلث الصوفيين فى مصر بستة ملايين مُريد، فهى أكبر وأهم الطرق الصوفية وأقواها تنظيما.. ومن مراكز الثقل فى هذه الطريقة أن مهندس النظام الحديدى ‘‘أحمد عز‘‘ كان ويظل نسيبا لشيخها السابق ‘‘أحمد كامل ياسين‘‘ زوجا شرعيا لابنة شيخ الرفاعية على سُنة الله ورسوله أحمد عز المحبوس ضمن بقايا نظام مبارك.. ولعل هذا ما ساعد ‘‘أحمد ياسين‘‘ على الجمع بين قيادة الطريقة، ومشيخة الطرق الصوفية كلها، ونقابة الأشراف، باعتباره الضامن الوحيد لولاء كل هؤلاء لمبارك ورجال نظامه وسيناريو توريثه للسلطة.. عقب وفاة ‘‘أحمد كامل ياسين‘‘ لم تكن هناك (كاريزما) واحدة قادرة على وراثة كل سلطاته فاستقر الأمر فى نقابة الأشراف للشيخ سيد الشريف دون منافس، وفى مشيخة الطرق الصوفية لعضو الشورى (وطنى) الشيخ عبد الهادى القصبى ابن النظام وأحد المقربين من أحمد عز، ولكنه يظل فى منافسة مفتوحة على المنصب مع الشيخ علاء أبو العزائم شيخ الطريقة العزمية المُرتبط بعلاقات لا ينكرها مع إيران، ومؤسس (حزب التحرير المصرى) بعد الثورة.. أما بالنسبة للطريقة الرفاعية فقد ورثها نهائيا الشيخ ‘‘طارق ياسين الرفاعى‘‘ وهو شاب لا انتماء مُحدد له سوى لطموحه الذى كان كافيا ليأتى به من آخر مكان يمكن أن يتوقعه النظام ليتولى مشيخة الطريقة الأكبر بعد فشل سيناريو توريثها لأحد أقارب ‘‘أحمد كامل ياسين‘‘ فى واقعة شهيرة واكبت بداية الصراع على زعامة البيت الصوفى بين علاء أبو العزائم المحسوب على طهران وابن النظام عبد الهادى القصبى.. وعقب انهيار نظام مبارك وفى رحلة الصراع بين القصبى المحسوب على ‘‘الفلول‘‘ وأبو العزائم مؤسس (حزب التحرير المصرى) انهارت دولة الصوفية إلى عدة دويلات وجبهات وائتلافات صغيرة متناحرة.. ولكن تبقى الكتلة الأهم والأضخم على الإطلاق فى جبهة الرفاعية التى سعى شيخها الشاب طارق ياسين الرفاعى لتأسيس حزب تم الإعلان عنه ليكون بمثابة الذراع السياسية للطريقة (حزب صوت الحرية).. من هنا بدأ التحرك الحقيقى من جانب نجيب ساويرس باتجاه الشيخ طارق، وطريقته، وحزبه الجديد.. ولكن ما الذى جمع الشامى على المغربى؟ بما أنها السياسة فلا غضاضة لدى حزب ساويرس الذى ضم فى قائمة وكلاءه المؤسسين ابن شقيق عمر سليمان، والصديق المُقرب من جمال مبارك، والمحامى الشخصى لأحمد عز من ضم الصوفيين أيضا والإعلان رسميا منذ أيام عن ضم الشيخ طارق إلى المكتب السياسى، وترشيحه على قوائمه البرلمانية بدائرة إمبابة بعد أن قام الشيخ الطموح فى خطوة مباغتة بحل حزبه والإعلان عن انضواء الرفاعية تحت ‘‘بيارق‘‘ ساويرس والتوقيع على استمارات العضوية فى زيارة خاصة قام بها ساويرس لمقام ومسجد الرفاعى الكبير بالقلعة حيث وقع المئات أيضا.. وبما أنه الطموح فلا غضاضة لدى الشيخ طارق من قُربى ساويرس وحزبه وهو الذى ظهر فجأة على السطح فور تفجر الثورة مستعرضا إمكانياته أمام المجلس العسكرى داعيا طريقته وحزبه إلى الاحتشاد فى مليونية لتأييد للمجلس فى الليلة الختامية لمولد الحسين، ومبايعة الشيخ عبد الهادى القصبى المحسوب على ‘‘الفلول‘‘ شيخا لمشايخ الطرق الصوفية.. وهو صاحب الرسالة الشهيرة إلى عصام شرف مشبها إياه بعمر بن الخطاب والتى قال فيها “حكمت فعدلت فآمنت فنمت يا عمر‘‘.. ربما يبدو كل هذا مبررا من جانب الشيخ الطموح وهو ينضم لحزب ساويرس ببرنامجه السياسى المعروف، ولكن هل يظل مبررا له أيضا إصراره على إسلامية الدولة المصرية، ورفضه نهائيا حسب تصريحاته المنشورة تولى امرأة أو قبطى الحكم فى مصر؟! سبحان الله !! إنها السياسة.. [email protected]