51 عاما ..على معركة استرداد العزة والكرامة    التشويش على الطائرات.. ما دور «الإعاقة الإستراتيجية» بحرب أكتوبر 1973؟    في الذكرى ال140 لتأسيسها.. البابا تواضروس يدشن كنيسة "العذراء" بالفجالة    حديد عز تخفض سعر الطن 2500 جنيه    سعر اليورو اليوم الأحد 6-10-2024 في البنوك المصرية    تداول 95 ألف طن و954 شاحنة بضائع عامة ومتنوعة بمواني البحر الأحمر    بطول 100 كم.. تفاصيل خط سكة حديد "الفردان - بئر العبد" قبل تشغيله    إيران تلغي بعض الرحلات الجوية دون الكشف عن الأسباب    الأمم المتحدة تحذر من أزمة كبيرة في لبنان وتتهم إسرائيل بانتهاك القانون الدولي    ماذا ينتظر أحمد القندوسي حال فسخ عقده؟.. خبير لوائح يكشف التفاصيل    لايبزيج يهزم هايدنهايم ويتصدر الدوري الألماني    انتحار طالب إعدادي شنقا داخل منزله في الفيوم    أحمد سعد يحيي حفلا كامل العدد في المغرب (صور)    احتفالات وزارة الثقافة بذكرى انتصارات أكتوبر.. فعاليات فنية وأدبية متنوعة    الإعلامي محمد فودة: مسلسل "برغم القانون" دراما اجتماعية مميزة.. وإيمان العاصي ترسخ أقدامها فى عالم البطولة المطلقة    افتتاح جهاز الإشعاع الجديد بمركز أورام مدينة نصر.. أمل جديد لمرضي السرطان    إطلاق دليل الحلول والممارسات الناجحة للاستثمار بمجال الطاقة المتجددة    ميناء دمياط يتصدر الموانئ المصرية بتطبيق أحدث النظم الإلكترونية    «جه ليه ومشي في أيه».. نجم الزمالك السابق ينتقد حسام حسن بسبب النني    «المحطات النووية» تعلن رسميًا بدء تركيب مصيدة قلب المفاعل بالضبعة    اللواء مجدى علام: 6 أكتوبر كان اليوم المناسب لشن الحرب    «حضر موت عنتر» تعلق على أزمة «صبحي كابر»    فكري صالح يطالب بإلغاء الترتيب بين حراس منتخب مصر    قبل انطلاقه غدًا، تفاصيل حفل جوائز الموسيقى الأمريكية    3 أبراج فلكية «الحظ هيلعب معاها» بعد 13 أكتوبر 2024    التعادل يحسم مباراة أستون فيلا ضد مان يونايتد في الدوري الإنجليزي الممتاز    بسبب ركنة.. راقصة تستعين ببلطجية لتحطيم سيارات بالمقطم    خبير استراتيجي: الحق لا يرجع بالتفاوض فقط.. يجب وجود القوة    أكاديمية البحث العلمي تعلن إنتاج أصناف جديدة من بعض الخضراوات    الأوقاف الفلسطينية: الاحتلال دمَّر 611 مسجدا كلّيًا بغزة واقتحم الأقصى 262 مرة خلال عام    جلسة تصوير للتونسى محمد علي بن حمودة أحدث صفقات غزل المحلة.. صور    سوريا:غارة جوية إسرائيلية استهدفت 3 سيارات تحمل مواد طبية وإغاثية    محمد الرميحي: انتصار أكتوبر تحقق نتيجة التخطيط الحكيم من القيادة السياسية والعسكرية    برفقة زوجها.. ريم سامي في أحدث ظهور والجمهور يغازلها    محمد ثروت: حرب أكتوبر نقطة فاصلة وتحول فى حياتنا كلنا كمصريين وأمة عربية    إصابة سيدة وابنتها في انهيار حائط منزل ببني سويف    القاهرة الإخبارية: الطواقم الإغاثية تمكنت من انتشال أكثر من 30 شهيدا من غزة    الحوار الوطني يُحيي ذكرى أبطال حرب أكتوبر المجيدة     الأرصاد تكشف حالة الطقس في مصر غدا الاثنين 7 أكتوبر 2024    استشاري تغذية: الأسس الغذائية للاعبي كرة القدم مفتاح الأداء الرياضي    الوادي الجديد.. تنظيم قافلة طبية لمدة يومين في قرية بولاق بمركز الخارجة    وزير الصحة: حملة 100 يوم صحة قدمت أكثر من 105 ملايين خدمة مجانية خلال 66 يوما    دعاء الذنب المتكرر.. «اللهم عاملنا بما أنت أهله»    اتحاد الكرة يحيي ذكرى انتصارات أكتوبر المجيدة ويهنئ الرئيس السيسي    قائمة أفضل بداية لمدربي برشلونة في القرن ال 21.. فليك رابعًا    غرق طالبين وإنقاذ ثالث بأحد الشواطئ بالبرلس فى كفر الشيخ    الداخلية تقدم تسهيلات للحالات الإنسانية بالجوازات    إدارة الموسيقات العسكرية تشارك فى إقامة حفل لأطفال مؤسسة مستشفى سرطان 57357    "مزمار الشيطان في بيت رسول الله".. رمضان عبد المعز يوضح: ماذا رد النبي يوم النصر؟    ضبط 3 عصابات و167 سلاحا وتنفيذ 84 ألف حكم خلال يوم    جيسوس مدرب الهلال يشيد بجماهير الأهلي بعد كلاسيكو الدوري السعودي    متصلة: خطيبي بيغير من الشحات في الشارع؟.. وأمين الفتوى يرد    تشاهدون اليوم.. مواجهات قوية للمحترفين في الدوريات الأوروبية    «الإفتاء» توضح.. هل يجوز الأكل على ورق جرائد به آيات من القرآن؟    نص كلمة الرئيس السيسي بمناسبة ذكرى انتصارات أكتوبر المجيدة    رسميًا.. سعر الريال السعودي مقابل الجنيه اليوم الأحد 6 أكتوبر 2024 بالتزامن مع إجازة البنوك    الحياة المأساوية للنازحين من ذوي الإعاقة والأطفال في مخيم خان يونس    تفسير آية | تعرف على معنى كلمات «سورة الفلق»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رباعية القرية المصرية في رواية "يوم الزينة"
نشر في المشهد يوم 18 - 10 - 2011

الماء والنار والهواء والتراب.. عناصر رباعية شكلت الوعي الإنساني في فترة ما، ومثلت قدرته التفسيرية والتأويلية، هذه الرؤية أخذت ما أخذت وتركت الكثير وانصرفت، ومما تركته أن أصبحت فكرة العناصر الأربعة على المستوى الفردي والجماعي هي القادرة على الإحاطة بالشيء، فالرؤية من الزوايا الأربع تقدم نوعا من التأمل المتأني للحالة والظاهرة، وهذا ما تم في رواية "يوم الزينة" للدكتور مرعي مدكور.
و"يوم الزينة" رواية أصوات، تأتي في أربعة فصول "مربط الفرس" و"يوم الزينة" و"أم عابد" و"حاميها"، كل فصل من الفصول الأربعة يقدم الحكاية من وجهة نظره، والحكاية هي جريمة قتل لكن تختلف الرؤية للقتيل باختلاف الأصوات.
وبنائيا، نلاحظ الإضافات السردية التي تضاف في كل فصل جديد، مع أن الاشارات التي ينطلق منها الجديد السردي دائما مندسة بين السطور منذ البداية، لذا لم يعتمد الكاتب فكرة المبالغة السردية مع القارئ في حين يقول له ما الجديد الذي تنتهي منه إلى تلك النهاية المبهمة، التي هي النهاية الطبيعية للفطرة/ الرمز الأساسي في الرواية، فمرعي مدكور يترصد بنفسه في لحظات الحنين ليكتب لنا رواية تعددت فيها الأصوات بين الراوي العليم الذي لم يفارق القرية، لكنه شعر بما حدث حتى من دون السؤال وبين المعرفة السطحية للغلام المشارك كجمهور يعرف العالم السري للأحداث، وبين رواية " أم عابد" التي هي المخزن الحقيقي للأسرار تلك التي تدري العلاقة الحقيقية التي تحركها الفطرة، وبل وتعرف أكثر من ذلك، وبين الصوت الرابع (السلطة) تلك المتربصة بالفطرة تجد فيها ما يؤرقها من تشابه الأطفال المنتشرين في دروب القرية، واللذين يمثلون خطرا داهما قادما على القرية أدركته السلطة، فهي الوحيدة التي تعرف كيفية القضاء على تلك الفطرة التي تسكن نفوسنا.
والرواية صادرة عن سلسلة " روايات الهلال"، ولنا أن نبدأ من غلافها للفنان محمد حجي، وهو لسيدة ريفية تجلس لتترقب شيئا أو تتحسر على شيء ولها زينة رخيصة في جيدها ويديها، لذا من البداية أدركنا من لوحة الغلاف أننا في رواية تدور في قرية، وإن كان العنوان ( يوم الزينة) قد مثل الفصل الثاني في الرواية، وكان الصوت السارد هو صوت لواحد من الجمهور، إذن هي صورة لواحدة متحفزة قلقة لما يحدث في يوم الزينة ويمكن القول إنها صورة تقريبية لأم عابد العارفة أكثر من الراوي العليم في الفصل الأول.
والكلمة التي قُدمت بها الرواية وأُلحقت في آخر صفحة قبل الغلاف الأخير والتي تعبر عن رؤية " دار الهلال" للعمل قد ظلمت الرواية، وذلك من خلال استخدام جملتين أساسيتين الأولي : في أول الكلام يقول: "هذه الرواية رغم بساطها الشديدة توكد على ..." فجملة رغم بساطتها الشديدة جملة حادة جدا وتجعلنا نتوقف لنسأل ما مفهوم البساطة في الأدب؟ وما المقصود بالبساطة الشديدة؟ فالرواية تحتوى على تقنيات فنية سوف نتوقف عندها، ومنها تداخل الأصوات، وكذلك المزج اللغوي بين الفصحى لغة السرد والعامية لغة الحوار، كما تملك امكانات وصفية تحمل زمانا ومكانا متخيلين لا يمكن الاشارة إلى صحة وجودهما أونفيه، وتحمل شخصيات متخيلة مكتملة بنائيا، لذا لا يمكن القول (على بساطتها الشديدة ولا حتى على بساطتها) لأن في ذلك إصدار حكم فني لا يحق لأي ناقد، أما إن كان الغرض من البساطة أنها ضد التعقيد، أي يمكن للقارئ المتابعة وعدم الانقطاع، وأنها لا تسقط في الغموض ولا تسرقها التقنيات الفنية مثل " تيار الوعي" وغير ذلك، فهذا لا يعد حسنا ولا سيئا إلا من خلال وضعه في سياق الرواية.
الجملة الثانية التي احتوى عليها التقديم هي تقريبا آخر جملة في التقديم: "ولو لم تفعل هذه الرواية بقارئها إلا تحريك ذاكرته جهة الجذور لكفى .."
لا، الرواية تفعل أكثر من ذلك .. فالرواية عالم سردي متخيل قد يتماس مع القارئ وقد يكون بعيدا عنه، وكل ذلك لا يمنع تحقق المتعة ولا الفائدة من الأعمال التي تدور في بيئة بعيدة عنا، ولم يكتب مرعي مدكور للقارئ القروي الريفي ولا حتى للمصري، بل كتب للإنسان.
هل هي رباعية القرية في مقابل " رباعية الإسكندرية" لداريل الذي كتب بطريقة الأصوات أيضا، فحكى عن مدينة الإسكندرية من وجهات نظر أربع، أم رباعية القاهرة من خلال " الرجل الذي فقد ظله" لفتحي غانم، كتبها أيضا بطريقة الأصوات، لذا نتساءل ما الذي تقدمه تقنية الأصوات للعمل السردي؟ فنرى أنها تعني اختلاف مستوى الرؤية، وهذا ما نجده في الرواية فلدينا أم عابد تلك التي تعرف " با بيب با" فتقدمه طفلا جسده أكبر من عقله بمراحل، هي تراه طفلا وتجعلنا نشفق عليه، تقدم لك المخفي الذي لا يعلمه هو ولا الرواة الذين شاركوها الحكي، ولا حتى المتلقي قبل أن تبوح هي به، على العكس من رؤية الغلام في الفصل الثاني الذي يقدمه بطلا للقرية التي بدونه لا تساوي شيئا، يصحب حكيه كثيرا من العجب والإعجاب وهو يروي ما يراه، ويرتفع به حتى أنه لا يحكي لك النهاية المأساوية له فقد أغلق عينيه فلا يتخيل بلدته بدون " با بيب با".
والصوت الرابع الممثل للجهل والسلطة يجعلك تراه شريرا وأنه منبت للفساد يجب استئصاله، حتى تكاد تجد نفسك تشارك القتلة فعلتهم قبل أن تفيق لنفسك مندهشا أمام صورة مقتلة الوحشية، بينما الصوت الأول يقدمه في صورة أسطورية من حيث القوة الجسدية المفرطة والاستسلام التام المخذي في تناقض غريب، ويحاول في أحيان كثيره أن يكون هو صوت " با بيب با" المكتوم الذي لا يخرج فيعبر لك عن أحاسيسه الداخلية وينقلها لك كي تدرك تفسيرات ما يحدث منه بعد ذلك، لكن يمكن احتساب الصوت الأول صوتا محايدا، ومن خلال كل هذا تجد شعورا مغايرا ينتابك في نهاية كل فصل.
كذلك تقدم رواية الأصوات تنوعا لغويا فلغة الغلام تختلف عن لغة أم عابد، فيقول الغلام في وصف إحدى الشخصيات " ... ومعه ابن خالته الذي في سنه وقال وهو يلعب أذنيه الخفاشيتين اللتين نضحك عليهما يوميا في المدرسة"، نلحظ الرؤية الصبيانية للوصف المتمثل في الشيء اللافت من الشكل الخارجي، بينما نجد أم عابد تصف التمورجي محمد سيد " الجدع الطيب؛ ابن اصل بصحيح" وتقول عن زوجته "وقبل تنفيذه النقل بيوم واحد فوجئت بزوجته؛ الكاملة المُكملة؛ تنادي .. ".
أما الشخصيات فلدينا الشخصية المحورية التي تدور حولها الرواية، والتي من خلالها ترصد الذوات الساردة لوحدات الحدث والزمان والمكان، كما يتم تحديد باقي أدوار الشخصيات من خلال القرب والبعد منها أو من خلال الاحتكاك أو الاهمال؛ وهي شخصية " با بيب با"، تلك التي لا يطلق عليها اسم في الرواية، وذلك اعتمادا على هاجس الفطرة المرتبط بالشخصية، فلم تتوقف إحدى الشخصيات لتقول لنا ما الاسم الذي تحمله وأظن لو جعلنا أنفسنا ذوات روائية سوف نعتقد أن اسمه " عابد" فالناس يظنون أن أم عابد هي أمه، وهي أيضا لم نعرف ما هو اسمها ولم يقل لنا واحد أنها تحمل خلاف هذا الاسم. وحتى عندما اتيح لها البوح الروائي ضنت علينا بأي شيء يتعلق بها سردت لنا علاقتها ب" با بيب با" فقط، أثرها عليه وأثره عليها، وهي الشخصية المحورية الثانية في الرواية أكثر علما وأقل فاعلية، عاجزة أحيانا، اقتربت من دور الجمهور المشاهد في المشهد الرئيسي/ مشهد القتل والتمثيل بجثة " با بيب با".
ومن هنا نخلص إلى تناقض الشخصيات؛ فبا بيب با شخصية متناقضة فهو " صدره مكشوف في عز البرد أو في صهد الصهد، صقيع طوبة لا يفت في عظامه ولا نار جهنم الحمراء التي تبخها شمس أغسطس تؤثر فيه"، هذا تناقض خارجي يصنع نوعا من التناقض الداخلي واللغة تكشف نوعي التناقض.
الشخصيات الأخرى تعمل أيضا على تشكيل العالم المحيط، فمنها شخصيات يمكن أن ترصد من خلالها المكان مثل العجائز اللواتي أمام دورهن يمسكن بالعصي يحمين بها كتاكيتهن الصغيرة العاجزة أيضا، إنها صورة تنبع من قلب بيوت الطين المتلاصقة، وهي بالضرورة تنتج من قلب القرية، ولم يقدمها مرعي مدكور كخلفية ولكن فاعل نشيط في علامات الرواية وفي المسكوت عنه، تعبرعن الكثير الذي يريد قوله.
لكن الشخصيات المأزومة والمنهارة مثل تلك المرأة التي صور من خلالها العلاقة الجسدية المكتملة بينها وبين " با بيب با"، فهى تعبر عن الزمان أكثر من المكان تعبر عن زمان غياب الرجل وهي مرحلة من عصر القرية المصرية حديثة بعض الشيء في ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين، فمن خلالها ومن خلال الممارسات الرياضية المنظمة في القرى يمكن لنا أن نصل لحد زمني تقريبي للأحداث، وإن شاب هذا المعنى انتشار ملامح معبرة عن أزمنة أكثر حداثة، مثل " الدشات" التي أشار إليها المؤلف في الرواية.
يملك مرعي مدكور حسا لغويا خاصا به ويملك تقنيات روائية متعلقة بنصه الروائي " يوم الزينة"؛ مما أتاح لنا كمتلقين للعمل الروائي المشاركة الوجدانية بل والتكميلية من حيث ارتفاع أصواتنا كمشجعين في " يوم الزينة" ومشفقين غاضبين يوم القتل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.